بين النفور والحب.. مشاعري تجاه طفلتي متناقضة!!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : الأطفال
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 170
  • رقم الاستشارة : 2183
24/07/2025

أنا أم لبنت عندها سنة ونص، ومش عارفة بصراحة إيه اللي بيحصلي! ساعات بحس إني بحبها جدًا وبحضنها وبطمن عليها، وساعات تانية بحس إني مش حاسة بأي حاجة ناحيتها، حتى لما بتتعور حاجات بسيطة، ساعات قلبي بيتوجع، وساعات بحس إني عادي!

أنا من جوايا عارفة إنها طفلة صغيرة، ولسه ما بتفهمش، بس لما بتعنّد أو ما تسمعش الكلام، بصوت فيها بعصبية، وده بيخليني أزعل من نفسي بعد كده، وبتأنيب ضميري جامد.

بحاول كتير أكون أم حنونة، وأتعامل معاها بهدوء، بس في لحظات مش بقدر، بحس بتوتر ورفضة في قلبي، وساعات لما تزنّ كتير بحاول أبعِدها عني أو أتجاهلها.

أنا حاسة إني مش عارفة أتعامل معاها صح، ومش دايمًا بحس بمشاعر الأمومة اللي كنت متخيلاها، وبزعل من نفسي جدًا بسبب ده، وبخاف أكون بأذيها من غير ما أقصد.

أنا فعلاً محتاجة أعرف أتعامل معاها إزاي، وأفهم نفسي، وأفهم هي كمان، عشان نفسي أكون أم كويسة، بس مش لاقية الطريق.

الإجابة 24/07/2025

أيتها الأم الطيبة..

 

ما أجملك حين تعترفين بمشاعركِ بكل صدق! وما أصدق الأمومة حين تبكي في صمت من شعورٍ بالتقصير، حتى وإن كانت تبذل جهدًا فوق طاقتها... فثقي أن مجرد طرحكِ لهذه الكلمات، هو دليل نُبل، وحرص داخلي على الإصلاح، يستحق الاحترام والتقدير.

 

دعيني أبدأ حديثي بما يليق بك:

 

أنتِ لستِ أُمًّا سيئة، بل أم مرهَقة، تائهة بين التوقعات المثالية التي رسمها المجتمع، وبين الواقع الذي يرهق النفس ويُربك القلب.

 

ما تمرين به له جذور نفسية وتربوية يمكن تفسيرها من خلال مفهوم يُسمى في علم النفس الأسري التربوي Maternal emotional ambivalence، أي التذبذب العاطفي عند الأم تجاه طفلها، وهو ليس مرضًا، بل حالة تمر بها بعض الأمهات نتيجة ضغط نفسي داخلي، إجهاد ذهني، أو تغيرات هرمونية، أو ضعف في الدعم الاجتماعي المحيط.

 

وهنا دعيني أُفنّد لكِ ما يحدث:

 

1- لا بد أن تعرفي أن مشاعر التناقض لا تعني غياب الحب.. فحين تقولين إنكِ أحيانًا لا تحزنين عند إصابة ابنتك، أو لا تشعرين بالحنان تجاهها، فاعلمي أن هذا لا يعني بالضرورة أنك لا تحبينها، بل هو انعكاس لما تمرين به من الإجهاد العاطفي، خاصة في مراحل الطفولة المبكرة، حين تكون الأم مسؤولة عن كل التفاصيل دون راحة حقيقية.

 

2- حين ترفعين صوتكِ على طفلتكِ رغم وعيك بأنها صغيرة لا تفهم، فأنتِ تعانين مما يُعرف بـ"Trigger reaction under stress"، وهو التفاعل الانفعالي الفوري الذي يحدث عند الضغط النفسي المتراكم، فيتحول الأمر من تربية بالعقل إلى استجابة بالغريزة. وليس هذا ضعفًا منكِ، بل هو نداء داخلي لجسدكِ ونفسكِ يقول: "أنا مُنهكة وأحتاج راحة ودعمًا".

 

3- أما حين تشعرين برغبة في الابتعاد عن ابنتكِ حين تُزعجكِ، فهذه علامة على الاحتراق الأمومي، وقد يحدث هذا بسبب: غياب التقدير، كثرة المسؤوليات، أو عدم وجود وقت خاص بكِ كإنسانة قبل أن تكوني أُمًّا.

 

وحتى أمهات الصحابة رضي الله عنهن كن بشرًا، يشعرن بالتعب والضيق، ولكنهن وجدن الدعم الإيماني والنفسي والاجتماعي الذي نفتقده أحيانًا اليوم.

 

4- لا تبخسي نفسكِ، فأنتِ تحاولين، ولقد قلتِ إنكِ تحاولين مرارًا أن تتعاملي بلطف، وتضبطي نفسكِ، وهذا أعظم ما يُنتظر من الأم، وقد قال رسول الله ﷺ: "إنما الحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يُعطه"؛ فمجاهدة النفس، والسعي نحو الإصلاح، عمل صالح يُثاب عليه المرء.

 

* وإليك مني عزيزتي الأم، خطوات عملية وتربوية أتمنى أن تتبعيها علها تُهوّن عليك:

 

1- تقبّلي مشاعركِ بدون جلد للذات، قولي لنفسكِ: نعم، أنا متعبة.. لكني أحاول. مشاعري مؤقتة ولا تعرفني كأم.

 

2- احصلي على دعم نفسي أو اجتماعي إن أمكن من المحيطين وأولهم الزوج، وجود صديقة، أخصائية، أو حتى ساعة خالية مع نفسك يوميًّا ولو قليلة، فهذا الدعم ينعشكِ من الداخل.

 

3- مارسي قاعدة "البديل التربوي قبل المنع"، فحين تريدين منع ابنتك من فعل شيء، لا تنهَي فقط، بل قدّمي بديلًا، وتحدثي بلغة بسيطة، وكرري برفق.

 

4- خاطبي طفلتك بوجهك قبل صوتك.. لأن طفلتك لا تفهم الكلمات بقدر ما تفهم تعبيرات وجهك، فانزلي لمستواها، وانظري في عينيها، ولامسيها برقة، فإن ذلك أبلغ من ألف كلمة.

 

5- استعيني بالله ثم بالدعاء والرضا الداخلي.. فلقد قال تعالى: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾؛ فقرة العين لا تعني أنهم مثاليون، بل إن قلوبنا ترضى بهم ويُفرّج الله صدورنا بهم، بالدعاء، والرضا، والتدرّج.

 

* همسة أخيرة لقلبك غاليتي:

 

أنتِ أم طبيعية، لكنك بحاجة للرفق بنفسك أولًا.

 

لا تنتظري أن تنجحي كل مرة، يكفي أن تواصلي المحاولة بإصرار ومحبة؛ فأعظم الأمهات لم يكنّ مثاليات، لكنهن كنّ صادقات في نواياهن.

 

قلبكِ الطيّب سيوجهكِ إن منحته قليلًا من الرحمة لنفسك، فابدئي بها، وستلين علاقتكِ بابنتكِ يومًا بعد يوم.

الرابط المختصر :