كيف نفهم أمر الإسلام بالرحمة مع وجود القتال والغزوات؟

الإستشارة
  • المستشار : د. عادل عبد الله هندي
  • القسم : مناهج الدعوة ووسائلها
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 39
  • رقم الاستشارة : 2987
16/10/2025

كيف نفهم أمر الإسلام بالرحمة مع وجود القتال والغزوات؟ أنا أستاذة في مدرسة تعليمية، وتواجهني أسئلة من بعض الطلاب والناس حول الإسلام شعرت بصعوبة في الرد عليها، وأحببت أن أستعين برأيكم الموثوق. ومن أهم هذه الأسئلة: كيف نفهم أن الإسلام يأمر بالرحمة والتسامح والعفو، وقد ورد ذلك في القرآن، وفي الوقت نفسه نجد في القرآن آيات تأمر بالقتال، ونقرأ في السيرة أن رسول الله ﷺ قاد الغزوات؟ أليس في هذا تناقضًا؟ وكيف أرد على من يثير هذه الشبهة؟

الإجابة 16/10/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بكِ أيتها الأخت الكريمة الباحثة عن الحق والجواب السديد. أسأل الله أن يشرح صدرك، ويزيدك علمًا وبصيرة، وأن يجعلك سببًا في نصرة دينه بالحكمة والبيان.

 

سؤالك مهم وعميق للغاية، وهو من أكثر الأسئلة التي تُطرح في عصرنا الحاضر، خاصة في ظل الهجمات الفكرية التي تحاول تشويه صورة الإسلام. والإجابة تحتاج إلى تفصيل علمي وبيان منهجي يجمع بين نصوص الوحي وسيرة النبي ﷺ والوقائع التاريخية. دعينا نسير خطوة بخطوة بعنونة واضحة:

 

حقيقة الإسلام ومقصد السلم فيه

 

* الإسلام دين السلام؛ بل كلمة "إسلام" مأخوذة من الجذر "سلم"، ومعناها الانقياد لله بالسلام والخضوع، ومن أسمائه سبحانه "السلام"، قال تعالى: ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ﴾ ويقول جلّ شأنُه في وصف رسوله ﷺ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾

 

* وفي الحديث الصحيح: (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ). إذن الأصل في الإسلام هو الرحمة والتعايش السلمي، وليس سفك الدماء أو العدوان.

 

كيف نفهم آيات القتال في القرآن؟

 

1. القتال ليس القاعدة بل الاستثناء: الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هو السلم، لقوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ﴾، فالأمر بالبر والقسط مع غير المحاربين أصل ثابت.

 

 

2. القتال مشروع للدفاع لا للعدوان: فأول آية نزلت في القتال هي قوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾، فالمسلمون لم يُؤذن لهم بالقتال إلا بعد أن تعرّضوا للاضطهاد في مكة ثلاثة عشر عامًا دون رد، ثم أُخرجوا من ديارهم وصودرت أموالهم.

 

 

3. مقصد القتال رفع الفتنة: قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾، والفتنة هنا هي الاضطهاد الديني الذي يمنع الناس من حرية الإيمان.

 

القتال منضبط بضوابط صارمة:

 

* لا قتل للنساء ولا الأطفال ولا الشيوخ.

 

* لا اعتداء على غير المحاربين.

 

* لا تخريب للزرع ولا هدم للبيوت. وهذا ثابت في وصايا النبي ﷺ وخلفائه، كما في حديث ابن عمر أن النبي ﷺ نهى عن قتل النساء والصبيان (رواه البخاري ومسلم).

 

فهم الغزوات النبوية

 

قد يتساءل البعض: إذا كان الإسلام دين سلام، فلماذا غزا النبي ﷺ؟

 

1. غزوات النبي لم تكن حروب عدوان:

 

* غزوة بدر: جاءت بعد أن نهب المشركون أموال المهاجرين وصادروها.

 

* غزوة أحد والأحزاب: دفاعًا عن المدينة بعد أن جاءت الجيوش إليها.

 

* غزوة خيبر: لأن اليهود نقضوا العهود وحاولوا التحالف مع الأعداء لطرد المسلمين.

 

2. مقارنة بالتاريخ الآخر: الحروب في أوروبا في القرون الوسطى كانت توسعية استعمارية، أما غزوات النبي ﷺ فكانت محدودة الهدف، منضبطة بالقيم، وانتهت أكثرها بالصلح لا بالدماء.

 

3. نتيجة الغزوات: بعد عشر سنوات فقط من الهجرة، دخل الناس في دين الله أفواجًا دون إكراه، كما في فتح مكة حيث قال النبي ﷺ لأهلها: اذهبوا فأنتم الطلقاء.

 

الجمع بين التسامح والجهاد

 

هنا يظهر التوازن الدقيق في الإسلام:

 

* الإسلام دين سلام في حال السلم.

 

* ودين قوة في حال الاعتداء.

 

وهذا عين العدل؛ فلو كان الإسلام يأمر بالسلام مطلقًا دون دفاع، لكان ذلك ضعفًا وهوانًا، ولو كان يأمر بالقتال المطلق لكان عدوانًا. لكن الإسلام وسط بين الإفراط والتفريط.

 

الرد العلمي والواقعي على هذه الشبهة

 

1. النصوص الصريحة:

 

* الإسلام نهى عن الاعتداء: ﴿وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ وأمر بالعدل حتى مع الأعداء: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا﴾

 

2. الواقع التاريخي:

 

* عندما فتح المسلمون القدس، كتب عمر بن الخطاب العهدة العمرية التي ضمنت لليهود والنصارى أمنهم وكنائسهم.

 

* بينما في الحروب الصليبية أُريقت الدماء بلا تمييز.

 

3. الواقع المعاصر: الدول الحديثة نفسها تضع قوانين للدفاع عن الوطن، وتشرّع الجيوش، فهل يُعاب على الإسلام أن يشرع الدفاع عن نفسه؟

 

وصايا عملية لكِ في الرد

 

1. لا تجعلي النقاش حادًّا، بل قدمي الفكرة بهدوء: "الإسلام دين سلام، لكن له حق الدفاع مثل أي أمة".

 

2. استشهدي بالآيات المحكمة والأحاديث الصحيحة التي ذكرتُها.

 

3. قارني بين تاريخ المسلمين وتاريخ غيرهم لتظهر الفروق.

 

4. بيّني أن التسامح هو الأصل، والقتال حالة استثنائية لحماية حرية المعتقد.

 

أيتها الأخت المباركة، لا تناقض في الإسلام بين السلام والقتال، بل هو توازن بديع: رحمة في الأصل، وقوة عند الحاجة. فاستمسكي بالجواب الحق، وأحسني عرضه على الناس، وكوني داعية بالحكمة كما أمرك الله.

 

اللهم زد هذه الأخت بصيرة وعلمًا، وثبّتها على طريق الحق، واجعلها لسانًا صادقًا في الدفاع عن دينك، واغفر لها ولوالديها وللمسلمين أجمعين.

 

روابط ذات صلة:

9 أخلاقيات للحروب.. كيف غيَّر النبي ﷺ مفهوم القتال؟

الجهاد في الإسلام طريق إلى السلام

الرابط المختصر :