الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : مناهج الدعوة ووسائلها
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
28 - رقم الاستشارة : 2112
16/07/2025
صديقتي تحب المدح بشدة وخاصة لما نكون مع ناس لازم أمدحها، لو انتقدرها بتزعل، فقط مدح، ممنوع أسلط الضوء على أغلاطها بيني وبينها وهي بكل راحة بتكلمني عن أغلاطي ما عندها حد وأنا حاسة المدح غلط.. ما العمل؟
الأخت السائلة الكريمة، مرحبًا بك معنا على صفحات الاستشارات الرائدة، وأسأل الله تعالى لكِ ابتداءً أن يحفظك بحفظه وأن يسدد لسانك ومقالك، وأن ينفع بك الناس.
وأول ما أود أن أطمئنك به: أنكِ لستِ وحدكِ في هذا الصراع النفسي، فهذه مشاعر صادقة تمرّ بها كل نفس تحمل حسًّا بالعدل والوفاء في العلاقات؛ فما تمرّين به هو شعور طبيعي حين تختلّ معادلة التوازن الوجداني بين الطرفين في الصداقة.
غير أن الجميل في رسالتك أنها تحمل وعيًا ناضجًا بأن المديح المطلق ليس هو الحب، وأن الحب ليس مسايرة مفرطة -بين الصديق وصديقه- تُفقد الإنسان كرامته أو تصنع منه مرآة مزيّفة تُخفي العيوب.
ولذا أتوجه إليك بنصائح مهمة للغاية في نقاط محددة، على النحو التالي:
أولًا: عن حاجة الناس للمدح
المدح ليس خطأً في ذاته، بل قد يكون بلسمًا إذا وُضع في موضعه.
وقد ذمّ الإسلام المدح المتكلَّف الزائد الذي يُغشي عن الحقيقة ويغري بالنفاق، وقد كان ﷺ يمدح أحيانًا على وجه التقدير، كما قال لمدح خديجة: (آمَنَتْ بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس)، فالمدح في أصله ليس حرامًا، لكن حين يصير عادةً تَرضوية تخفي الحقيقة وتكتم الصراحة، فهو خطرٌ على الدين والنفس والعلاقة.
ثانيًا: عن الشعور بالظلم
ويبدو أن صديقتك جعلت العلاقة باتجاه واحد:
* تمدحينها أمام الناس.
* تتغاضين عن أخطائها.
* بينما هي تسمح لنفسها بانتقادك بحرية!
وهذا التفاوت يستنزف النفس ويكسر المودة التي تقوم على التبادل والتفاهم، لا على الخضوع والإذعان، ولعل من المأثور في الحِكَم: (رحم الله امرءًا أهدى إليَّ عيوبي)، فالصديق الحقيقي لا يرضى لك بالزلل ولا يسكت عن الخطأ، لكن بلطف وأدب وصدق. أما إن طلب أحدهم مدحًا دائمًا، ورفض حتى النصح الخفي، فهو لا يبحث عن صديق، بل عن مُصفّق دائم!
ثالثًا: كيف تتصرفين معها؟
أقترح عليكِ هذه الخطوات العملية:
1) حدِّدي أولوياتك في العلاقة: اسألي نفسك: هل هذه صداقة تُنمّيني أم تستنزفني؟ هل أنا مرتاحة أم متوترة في أغلب اللقاءات؟
2) اختاري وقتًا هادئًا للحديث: دون لوم، قولي لها بلغة محبة:
"أنا بحب أكون صادقة معك زَيّ ما أنتِ معايا، بس أحيانًا بحسّ إنك بتضايقي من رأيي حتى لو بيني وبينك، وده بيخليني أتراجع عن التعبير عن نفسي، وده شيء صعب عليّ".
3) لا تتخلي عن الصراحة المؤدبة: لو أخطأت أمام الناس، فلا تفضحيها، لكن لا تشاركي في تلميع الخطأ، اكتفي بالصمت أو تغيير الموضوع، وفي الخفاء، حافظي على نصيحة رفيقة.
4) اضبطي حدود العلاقة: ليس كل من أحببناه وجب أن نبقى معه بنفس القرب، فقد نُبقي على الودّ، لكن نُخفّض مستوى الانخراط العاطفي، قال النبي ﷺ: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف). والمقصود بالقوة هنا: القوة النفسية التي منها أن ترفضي التبعية العمياء لأي شخص، ولو باسم المحبة.
واعلمِي ختامًا أنّ الصداقة لا تعني المديح الدائم، بل تعني الصدق والنصح والرحمة، كما أنّ صديقتكِ بحاجة إلى من يساعدها ويسندها، دون أن يساندها ولو على خطأ، فكوني صادقة رقيقة، وأبقي على محبتكِ لها، لكن لا على حساب ذاتكِ، كما أنّ العلاقات المتوازنة هي التي تحيي النفس، لا التي تُجهدها في محاولة إرضاء لا تنتهي.
وأسأل الله تعالى أن يستخدمك فيما يرضيه، وأن يجعلك مفتاحًا من مفاتيح الخير، ويرزقك الخير حيث كان.