الإستشارة - المستشار : أ. مصطفى عاشور
- القسم : مفاهيم
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
94 - رقم الاستشارة : 2758
22/09/2025
أسمع كثيرا كلمة أزمة وجودية فأرجو تقديم توضيح لهذا المفهوم الذي بات يتكرر بكثرة عن معاناة الإنسان المعاصر.
أخي الكريم، منذ عقود يتردد أن الإنسان المعاصر يعاني من أزمات وجودية، وأن تلك الأزمات لها تداعياته على حياته وسعادته وسلوكه وعلاقاته الاجتماعية.
هذا المفهوم يثير الكثير من التساؤلات عن ماهية مفهوم الأزمة الوجودية، وأسباب ظهوره، ولماذا نشأ مع الحداثة التي أعلت من شأن العقل وجعلت الإنسان سيدًا على نفسه وبتعبير بعض الفلاسفة الغربيين جعلت الإنسان سيدًا على نفسه وغير محتاج إلى إله متعال.
فمنذ تلك اللحظة أخذت الأفكار والفلسفات الحداثية تُلقي بأفكارها ومقولاتها، لتصل إلى مرحلة القطيعة مع السماء عندما أعلن "نيتشه" مقولته الجاحدة "موت الإله"، عندها أخذت الأزمات الوجودية تطل برأسها مع كل تحول أو أزمة طارحة سؤال المعنى والمصير.
ماهية المفهوم
الأزمة الوجودية مفهوم ظهر حديثًا، وهو مفهوم مركب يشير إلى وجود صراعات داخلية في ذات الإنسان تطرح تساؤلا ترتبط بالهوية الإنسانية وفي مقدمتها سؤال المعنى الخاص بالحياة، والمصير الذي سيذهب إليه الإنسان بعد انتهاء الحياة.
تشير الدراسات إلى أن تلك الأزمة تظهر في لحظات التحول الإنساني العمرية والحياتية والفكرية، فتظهر في مرحلة المراهقة، وفترات الأزمات مثل فقدان حبيب أو ترك عمل أو فشل كبير، كما أن البعض يعاني منها مع تقدم العمر والاقتراب من حافة الموت.
هذه الأزمة الوجودية في حقيقتها في سؤال الفطرة التي تبحث عن خالقها، وهي أيضًا سؤال التسامي الذي يطرحه الإنسان على نفسه رافضًا أن تكون غايته المادة ونهايته مثل الأشياء التي تتحلل وتتلاشى، أي أن النفخة الإلهية التي بثها الخالق سبحانه وتعالى تطرح أسئلتها المدوية في النفس لتذكر الإنسان بأن الوجود مرحلة للوصول إلى المحطة النهائية في الآخرة.
في كتابه "الحلولية ووحدة الوجود" يذهب الدكتور عبد الوهاب المسيري أن الأزمة الوجودية في الغرب هي نتاج الحلولية والعلمانية الشاملة، حيث تم اختزال ثنائية الإله والإنسان لتتحد وتحل في الإنسان الذي أصبح ذا بعد واحد متمركز حول المادة، فاصلاً بين القيم الأخلاقية وبين حياته، هذه الحلولية أنتجت أزمة المعنى والاغتراب.
وأشار المسيري إلى أن تلك الحلولية ماهت بين الخالق والمخلوق، أما العلمانية الشاملة، التي تعد التجسيد الأبرز للحداثة، ففصلت القيم والأخلاق عن حركة الحياة، ومع فقدان المعنى شعر الإنسان بالتفاهة والضياع.
أما الفيلسوف "طه عبد الرحمن" فأعطى مفهومًا مختلفًا لـ"موت الإنسان المعاصر" عما طرحه المفكر الفرنسي "ميشيل فوكو"، حيث رأى "فوكو" أن هذا الموت هو فقدان الفاعلية والقدرة على الفعل الحر، أما "طـه" فرأي أن هذا الموت للإنسان المعاصر ما هو إلا السير ضد الفطرة، تلك الفطرة النابعة من الدين والأخلاق؛ بل والميثاق الأول بين الخالق سبحانه وتعالى وبين الإنسان، ومع "موت القلب" الذي هو محل تلك الفكرة انقطعت صلة الأخلاق والقيم بالحياة، وأنتج هذا الفصل أزمات وجودية.
نقطة تحول
تذهب بعض الدراسات النفسية إلى أن الأزمة الوجودية، رغم ما تسببه من قلق وتوتر وربما اكتئاب، إلا أنها قد تكون نقطة تحول في حياة الإنسان تدفعه لطرح الأسئلة الحقيقة وليس الأسئلة الزائفة عن الحياة، ومن ثم قد تكون الأزمة الوجودية لحظة وعي ويقظة، وتلك اليقظة لها ثمنها في المعاناة وضريبتها من القلق والتوتر؛ لأن الأزمات الوجودية في عمقها أزمة تتعلق بالهوية، أي هوية الإنسان وانتمائه، وليس المقصود بالهوية جانبها السياسي، ولكن معناها الوجداني والروحي.
روابط ذات صلة:
هــل تحتاج عقولنا إلى الأهــــداف؟