أنا السبب في انهيار حياتي.. هل هناك أمل في إصلاحها؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
  • القسم : الطلاق وتبعاته
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 229
  • رقم الاستشارة : 2204
27/07/2025

كيف أصلح ما أفسدته يداي؟ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا حسام، عندي 36 سنة، كنت شغال مدير مبيعات، ومتجوز عن حب واحدة تكبرني بسنتين، من عيلة غنية جدًا. بعد وفاة والدها، ورثت مبلغ كبير، لكنها قررت تسيب إدارة أملاكها لأخواتها، لأنها كانت واثقة فيهم. أنا بحكم خبرتي في التجارة والمبيعات، فكرت في استغلال جزء من ورثها في مشروع يكون مصدر دخل لينا كلنا، وده كان باقتراح من زميلي.

لما طرحت الفكرة على مراتي، رفضت بشدة، وقالت إنها مش محتاجة أكتر من مصروفها، وإني أنا المسؤول عن مصاريفي ومصاريف الأولاد، وإنها ممكن تساعد بس لو في ظرف طارئ زي مرض أو قسط مدارس. بصراحة، ما اقتنعتش بكلامها، وزميلي فضّل يزنّ على دماغي، لحد ما بقيت مصرّ على رأيي، وبدأت أضغط عليها.

ولما اشتكت لأبويا، فضل يوبخني، وقالي: "إنت طول عمرك طماع ومش قانع بعيشتك!"، لكني كنت شايف إني مش طماع، وإن كل اللي بفكر فيه هو تحسين مستوانا المعيشي.

بعد ما حسّيت إني محشور في الزاوية، لجأت للضغط عليها بأساليب غلط كنت أخرج من البيت لأيام، وأبطل أكلمها، لحد ما انهارت العلاقة تمامًا، وطلبت الخلع، وخدت الأولاد معاها. بعد الانفصال، هي فتحت مشروع خاص.

الإجابة 27/07/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً ومرحبا بك أخي الكريم حسام في موقعك بوابة الاستشارات الإلكترونية...

 

أعلم أنك تشعر بمشاعر الندم القاسية بعد أن تداعت حياتك الهادئة المستقرة ففقدت زوجتك التي تحبها وأخذت هي حضانة الأولاد وفقدت أنت نعمة السكن.. أنت في أعماق نفسك تدرك أنك السبب في حياتك التي تداعت وانهارت حتى أنك تقول كيف أصلح ما أفسدته يداي، ولكنك في الوقت ذاته ما زلت تبحث عن تبريرات تصلح كمشاجب تعلق عليها السلوكيات الخاطئة التي مارستها، ومن ذلك محاولتك الإيحاء أن زميلك هو الذي ضغط  وألح عليك كي تحاول أخذ مالها وعمل المشروع الذي ترغبه وأن ما قمت به نتيجة "الزن على الدماغ" الذي مورس عليك.

 

حتى بقية رسالتك استشعرت منها أنك لم تصل لقناعة نهائية بأن سلوكك كان خاطئًا تماما فأنت لم تر في سلوكك طمعا وإنما رغبة في تحسين مستوى المعيشة، ربما أنت فقط أدنت نفسك في الأسلوب السيئ الذي تعاملت به معها والضغط الذي مارسته عليها والذي أدى في نهاية المطاف لانهيار حياتكما الزوجية..

 

لماذا أقول لك هذا الكلام؟ لأن الخطوة الأولى للإصلاح هي الاعتراف الحقيقي والصادق بالخطأ ومن ثم تحمل مسئولية، هذا الاعتراف بشجاعة، لذلك أنا بحاجة أن أوضح لك حجم الخطأ الذي وقعت فيه، والهدف من ذلك ليس اللوم والعتاب وإشعارك بالذنب، وإنما إدراك الخطأ بصورة دقيقة حتى تستطيع تحمل المسئوليات التي ترتبت عليه.

 

الذمة المالية للزوجة

 

أخي الكريم حسام، لقد كفلت الشريعة الإسلامية للمرأة أن تكون لها ذمتها المالية الخاصة بها والتي لا يتحكم فيها سواها.. لا الزوج ولا الأب ولا الأخ لهم سلطة على مال المرأة إلا برضاها الكامل، سواء كان هذا المال نتاج عمل أو ميراث.

 

أيضا من حق المرأة أن تحصل على المهر وأن ينفق عليها الزوج  بحسب حاله يسرًا أو عسرًا، وليس له الحق أن يضغط عليها بأي صورة حتى يحصل على مالها ﴿فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا﴾ بلا إضرار أو خديعة كما قال ابن عباس.. بلا كره أو هوان كما قال قتادة.

 

فماذا فعلت أنت؟ لقد تنازلت زوجتك عن حقها في مصروفاتها الشخصية وتكفلت بها ولم تلزمك إلا بمصاريف الأولاد، وقالت لك إنها معك في أي ظرف طارئ تواسيك بمالها، فبدلا من أن تشكرها على ذلك قمت بالضغط والإلحاح عليها حتى تمنحك المال تديره أنت، وكان يكفيك رفضها مرة واحدة حتى لا تظهر نفسك بصورة الطماع التي أشار إليها والدك، وانتهى بك الأمر لهجرها وقطيعتها والإساءة النفسية إليها حتى تضعف وتعطيك المال.

 

والنتيجة أنها أخذت قرارها بالخلع حتى تبتعد عن هذه الأجواء شديدة السمية التي تعيش فيها، ولعلها أصبحت تراك وأنت تلح عليها للحصول على المال بصورة سيئة، وقد انتقصت من نفسك ومن قوامتك التي أحد معاييرها أن تنفق عليها لا أن تحصل على المال منها ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾.

 

أخي الكريم، لا بد أن تعترف أنك أخطأت بشدة عندما ألححت عليها في طلب المال، وأخطأت مرة ثانية باللجوء إلى الضغوط الملتوية حتى تستجيب لك، وأنه لم يكن لك عذرًا في سلوكك هذا، فتحسين معيشة الأسرة هو أحد التزاماتك وواجباتك أنت.. لذلك أدعوك أن تعتذر لطليقتك عما ارتكبته في حقها.. اعتذارًا حقيقيًّا يمس قلبك وقلبها.. اعتذارًا ليس من ورائه أي غاية أو هدف كعودتها إليك ونحو ذلك.. إنه واجب أخلاقي عليك أن تقوم به حتى تستطيع النهضة من جديد.

 

خطوات على طريق النهضة

 

أخي الكريم، بعد أن تعيد تقييم التجربة وتعترف بنقاط خطئك وقصورك واعتذارك عنها ستشعر بكثير من الألم النفسي، ولكنك ستشعر أيضًا أنك على طريق التحرر من الأخطاء وبناء "حسام" جديد أو على وجه الدقة صناعة أفضل نسخة ممكنة من "حسام"، فإذا كان "حسام" الزوج قد غاب عن المشهد، فإن "حسام" الأب لا بد أن يكون موجودًا وفعالاً في حياة أبنائه فتذهب لزيارتهم في الموعد المحدد لا تتخلف عنه أبدًا مهما كانت الظروف.. ترسل إليهم نفقتهم ولا تعتمد على ثراء والدتهم.. تسأل عن تفاصيل حياتهم دون أن تستخدم ذلك كورقة ملتوية للضغط على طليقتك حتى تقبل بالعودة إليك.

 

اهتم بعملك وابذل قصارى جهدك حتى تتميز فيه، وإن استطعت أن تبدأ مشروعك الخاص بأي مبلغ صغير متوفر معك، وإلا فاستثمر خبراتك في المبيعات من خلال العمل الحر، وتوجه إلى الله عز وجل  أن يرزقك من فضله العظيم ويساعدك في ذلك كثرة الاستغفار وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تمل الذكر والدعاء ثم السعي والعمل بجد واجتهد حتى تبني نفسك بنفسك.. فأنت الآن تبني هوية جديدة لنفسك فلا تتعجل الخطوات.

 

وعندما تشعر -أخي- أنك أصبحت قادرًا على السيطرة على حياتك يمكن أن تطالب طليقتك بالعودة، وامنحها الوقت الكافي للتفكير إن طلبته، وإن رفضت تماما فالحياة لم تنتهي بعد، فبإمكانك وقتها وبعد أن تشعر بالتعافي الكامل من التجربة السابقة أن تبحث عن الاستقرار مع زوجة جديدة، على أن تراعي كل أخطاء الماضي، فالزوجة الجديدة ينبغي أن يكون بينكما كفاءة، وأن تشعر بالتقبل والراحة النفسية معها، لا أن تكون وظيفتها أن تنسيك تجربتك السابقة القاسية، وبالطبع ستتكفل مصروفاتها؛ فأنت لن تكرر الخطأ مرتين.

 

وفقك الله وأسعد قلبك، وتابعنا باخبارك دائمًا.

الرابط المختصر :