الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : المهتدون الجُدد
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
117 - رقم الاستشارة : 2465
22/08/2025
فضيلة الشيخ، في ظل المشاهد المؤثرة لصمود الشعب الفلسطيني وإيمانه العميق الذي أبهر العالم، نشهد إقبالًا لافتًا من غير المسلمين على اعتناق الإسلام في الغرب وأمريكا اللاتينية وإفريقيا. كيف يمكننا استثمار هذه الموجة المباركة دعويًّا بما يحفظ أثرها ويزيد ثمارها؟
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الرحمة المهداة والنعمة المسداة، وبعد:
فإنّ من أعظم سنن الله في كونه أن يجعل من المحن منحًا، ومن الشدائد طريقًا للنور والهدى، ومن صور الصبر والثبات أسبابًا لانفتاح القلوب على الإسلام.
وإن ما نراه اليوم من دخول أعداد متزايدة من غير المسلمين في الإسلام بعد مشاهدتهم لصمود الفلسطينيين، ليس حدثًا عابرًا؛ بل هو تجلٍّ من تجليات الوعد الإلهي بانتشار هذا الدين، قال تعالى: ﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا﴾، واسمح لي أخي السائل الكريم أن نفتح هذا الملف ببعض النقاط التالية:
أولًا: قراءة الظاهرة في ضوء الوحي والتاريخ
اعلم أخي الكريم بأنّ الإسلام دين عالمي، جاء ليخاطب البشرية كلها، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾، وحين نقرأ التاريخ، نجد أن أكثر لحظات الإسلام توسعًا وانتشارًا كانت في أوقات المحن؛ فانتشار الإسلام في الحبشة كان بعد اضطهاد مكة، وانتشاره في المدينة بعد معاناة الهجرة، وانتشاره في آسيا وإفريقيا بعد موجات استضعاف طويلة، وما نشهده اليوم: إنما هو امتداد لهذه السُّنة: فالمشهد الفلسطيني بكل ما فيه من دماء وآلام، أصبح رسالة صامتة للعالم عن قوة الإيمان وقدرته على صنع المعجزات.
ثانيًا: فرص دعوية تاريخية لا تتكرر
انظر أخي الكريم إلى تلك الفرص التاريخية التي حدثت مع صمود المضطهدين المحاصرين، ومن بين تلك الفرص ما يأتي:
- تعطش روحي عالمي: فالعالم يعيش فراغًا روحيًّا، يبحث عن معنى أعمق للحياة بعد أن سئم من المادية الباردة.
- انهيار صورة الإعلام الغربي: فكثير من الشعوب اكتشفت زيف الخطاب الإعلامي الذي حاول لعقود تشويه الإسلام.
- حضور رقمي إسلامي متزايد: مع وسائل التواصل، أصبح أي مشهد من فلسطين يصل إلى الملايين في ثوانٍ، ويفتح الباب للأسئلة حول الإسلام.
وعلى هذا فنحن أمام "نافذة تاريخية"، إن أحسنَ المسلمون استثمارها كانت بداية نهضة دعوية عالمية، وإن فرّطوا ضاعت الفرصة وذهبت مع مرور الأيام.
ثالثًا: كيف نستثمر هذه الموجة دعويًّا؟
هناك مستويات متعددة ينبغي العمل عليها:
1) المستوى الفردي: فالمسلمون في الغرب مطالبون بأن يكونوا "سفراء" لدينهم؛ بالكلمة الطيبة، والابتسامة الصادقة، والسلوك الراقي، كما أن كل مسلم يمكن أن يكون مدخلًا للهداية من خلال بيته، ومكان عمله، أو حتى عبر صفحته الشخصية في الإنترنت.
2) المستوى المؤسسي: فالمراكز الإسلامية يجب أن تتحول من مجرد مساجد للصلاة إلى مراكز ثقافية وحضارية، تقدم دورات تعريفية بالإسلام، معارض للقرآن، ولقاءات مفتوحة لطرح الأسئلة. والجامعات الإسلامية مطالبة بفتح برامج أكاديمية بلغات العالم لتأهيل دعاة محليين في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا، والمؤسسات الخيرية يجب أن تربط المساعدات الإنسانية بالتعريف بالإسلام، لا بمعنى الإكراه، وإنما بمعنى تجسيد قيم الرحمة والعدل.
3) المستوى الإعلامي ويتمثّل ذلك في: إنتاج أفلام وثائقية ومواد مرئية قصيرة بلغات مختلفة تشرح الإسلام من خلال القيم التي جذبت الناس في فلسطين: الصبر، التضحية، الأمل، وكذا الاستثمار في "المؤثرين" المسلمين على المنصات الرقمية ليتحدثوا عن تجاربهم وقصصهم، فضلاً عن الرد على الشبهات الكبرى (الإرهاب، المرأة، الحرية الدينية) بطريقة علمية رصينة بعيدة عن الانفعال.
4) المستوى الدولي، ويتحقق التميز على المستوى العام دوليًّا، من خلال الآتي: تكوين رابطة عالمية للدعاة الجدد، بحيث يجتمع المهتدون الجدد مع دعاة مخضرمين لتبادل الخبرات، ودعم إنشاء مكتبات إسلامية رقمية باللغات المحلية للشعوب الجديدة على الإسلام.
رابعًا: التحديات المتوقعة
ومن التحديات التي يُتوقّع حدوثها:
- تشويه الإعلام الغربي المستمر ومحاولة تصوير الإسلام كدين عنف.
- ضعف تأهيل بعض الدعاة مما قد يؤدي إلى نفور المهتدين الجدد إذا لم يجدوا إجابات شافية.
- غياب الخطط الاستراتيجية حيث ما زالت الجهود غالبًا فردية وموسمية، ولذلك لا بد من وجود قيادة دعوية راشدة تنسق وتجمع وتوجه.
خامسًا: دروس من السيرة والتاريخ
- في بيعة العقبة، لم يكتف النبي ﷺ بالفرح بدخول الأنصار في الإسلام، بل أرسل معهم معلمًا مربيًا (مصعب بن عمير) ليقوم بالتربية والتعليم والتثبيت. هذا النموذج هو ما نحتاجه اليوم: إرسال الكثير من "مصعب جُدد" إلى أنحاء العالم.
- تجربة إسلام عمر بن الخطاب: لم يكن مجرد إعلان، بل تبعته تربية وصحبة وثبات، حتى صار ركنًا من أركان الأمة.
سادسًا: خطوات عملية مقترحة
ونقترح في سبيل تحقيق ذلك ما يأتي:
- إعداد برنامج عالمي موحد بعنوان "تعرف على الإسلام" يترجم إلى أكثر من ٢٠ لغة.
- تبني مشـروع "مسلم لكل مهتدٍ جديد" لتوفير الدعم النفسـي والاجتماعي.
- إطلاق قنوات يوتيوب وتطبيقات مخصصة للجدد بعنوان "خطواتك الأولى في الإسلام".
- تخصيص منح دراسية للمهتدين الجدد لدراسة العلوم الإسلامية في جامعات معتبرة.
- إشراكهم في أنشطة خيرية وإنسانية ليشعروا بروح الجماعة.
وختامًا: فإن موجة الإقبال على الإسلام ليست حدثًا عابرًا؛ بل هي بداية صحوة كونية إن نحن أحسنّا استثمارها. والمطلوب هو الانتقال من العاطفة إلى التخطيط، ومن ردود الأفعال إلى المشاريع المستدامة، ومن الجهود الفردية إلى العمل الجماعي المؤسسي. وحينها يصدق قول الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾. وهذه الموجة المباركة ما هي إلا شاهد جديد على أن هذا الدين ماضٍ في طريقه، وأن البشرية كلها في أمس الحاجة إليه.
أخي الكريم وكل من يقرأ ويُتابع:
ليكن لك نية أن تكون "سفيرًا" لدين الله حيثما كنت، وعلى المؤسسات الإسلامية وضع خطة خمسية لرعاية الداخلين الجدد، كما أن على الدعاة استخدام لغة الأمل لا لغة الشكوى، وعلى الشباب المسلم أن يتقن لغات العالم ليشارك في التعريف بالإسلام.
وأسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم، وأن يأجرك خيرًا على سؤالك وهمتك، وأن ينصر عباده المظلومين في كل مكان.