الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : التخطيط الدعوي
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
154 - رقم الاستشارة : 2318
14/08/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا شاب حديث التخرج من كلية شرعية، ودخولي إليها لم يكن برغبة شخصية بل بسبب مجموعي في الثانوية، وبعد التخرج أخشى أن يتم تكليفي بالخطابة في المسجد؛ لأنني أشعر برهبة كبيرة من مواجهة الناس والتحدث أمامهم، ولا أعرف كيف أبدأ أو أكتب الخطبة، وأشعر بضعف علمي مقارنة بغيري من الخطباء. كما أنني لا أتقن فن الإلقاء، وأخاف أن يؤثر ذلك على قبولي عند الناس أو على رسالتي الدعوية. فكيف أبدأ مشواري كخطيب واثق مؤثر، وأتغلب على هذا الخوف، وأطور قدراتي العلمية والخطابية معًا؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أخي الحبيب، أقدّر شعورك وأتفهم قلقك، وأعلم أن ما في قلبك من رهبة ليس ضعفًا في الإيمان ولا عجزًا عن المهمة، بل هو شعور طبيعي يعتري الكثير من الخطباء والدعاة في بداياتهم، بل ربما يكون علامة خير؛ لأنه يعكس إحساسك بعظم الأمانة وخوفك من التقصير في حقها. ولعلك تعلم أن النبي ﷺ قال: ((إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)).
وأنت تريد الإتقان لا مجرد الروتين، وهذا بحد ذاته بداية الطريق الصحيح.
أولًا: فهم الأمانة والرسالة
الخطابة ليست وظيفة عادية، بل هي امتداد لميراث النبوة، وحمل لراية الدعوة، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: 33]. ومن استشعر هذه المعاني، وجد في نفسه دافعًا لتجاوز أي خوف أو ضعف؛ لأن المقصود إرضاء الله أولًا، وهداية الناس ثانيًا.
ثانيًا: التعامل مع رهبة الجمهور
الخوف من مواجهة الناس أمر شائع حتى عند أهل الخبرة، لكن الفارق أن البعض يحوّله إلى دافع للاستعداد، والبعض يجعله حاجزًا يمنعه من الانطلاق. ومن أنفع الوسائل:
1. التحضير المسبق: اجعل لكل خطبة ملفًا صغيرًا، دوّن فيه العناصر، الآيات، الأحاديث، الشواهد الواقعية، والقصص المؤثرة.
2. التدرج في المواجهة: ابدأ بإلقاء كلمات قصيرة أمام عدد قليل من الأصدقاء أو الزملاء، ثم وسّع الدائرة تدريجيًّا.
3. التدريب أمام المرآة: تمرّن على الوقوف والنطق والتعبير بوجهك ويديك.
4. التنفس العميق قبل البدء: يساعدك على ضبط إيقاع الصوت وإزالة التوتر.
ثالثًا: تطوير المهارات العلمية والخطابية
ضعف التحصيل العلمي يمكن تعويضه بالاستمرار في التعلم، وهناك وسائل عملية، تتضح فيما يلي:
* البرنامج اليومي للعلم: خصِّص ساعة صباحًا أو مساءً لقراءة تفسير مختصر، وكتاب في الحديث (مثل "رياض الصالحين")، ومطالعة فقه العبادات.
* الاستماع للخطباء المتميزين: ليس بهدف التقليد الحرفي، بل لفهم أسلوبهم في الانتقال بين الأفكار، وضبط الإيقاع، وربط النصوص بالواقع.
* حضور دورات فن الإلقاء: توجد اليوم دورات حضورية وأونلاين تدمج بين مهارات الصوت ولغة الجسد وصياغة الرسائل المؤثرة.
رابعًا: الجمع بين الأصالة والمعاصرة
فالناس اليوم تحتاج خطابًا يجمع بين النص الشرعي الموثوق واللغة القريبة من قلوبهم.
مثال: حين تتحدث عن الصبر، اربطه بقصة أيوب عليه السلام، ثم بموقف معاصر كمرض طويل أو فقدان وظيفة، وبيّن كيف يمنح الصبر طمأنينة للنفس، والنموذج النبوي في الخطابة كان مختصرًا، واضحًا، موجهًا، قال جابر بن سمرة رضي الله عنه: "كانت خطبة النبي ﷺ قصدًا، وصلاته قصدًا" ومع ذلك كانت كلماته تمسّ القلوب؛ لأنه كان يخاطب الفطرة ويخدم الواقع.
خامسًا: خطوات عملية للانطلاق
أ) حدّد هدفك الدعوي الشخصي: هل تريد التركيز على الشباب؟ الأسرة؟ القضايا الأخلاقية؟ التخصص يرفع جودة الإعداد.
ب) كوّن مكتبة خطبك: كل خطبة تكتبها أو تعدلها، احفظها لتعود إليها.
ج) قيّم أداءك: سجل صوتك أو فيديو لك، واستمع بعين الناقد.
د) اطلب النصح من أهل الخبرة: جالس الخطباء وأئمة المساجد الكبار، واستفد من ملاحظاتهم.
سادسًا: صور ونماذج ملهمة
* الإمام أحمد بن حنبل: بدأ يدرّس وهو شاب، وكان يزداد قوة مع الوقت رغم شدة الحياء.
* الشيخ محمد الغزالي: كان يقول إن الخطبة الحقيقية هي التي إذا سمعها الناس خرجوا وفي قلوبهم فكرة، وفي عقولهم قناعة، وفي أيديهم خطة عمل.
وتلك بعض النصائح الختامية:
- أكثر من الدعاء: "اللهم افتح لي أبواب حكمتك، وانشر عليّ رحمتك، وامنن عليّ ببركتك، ووفقني لما تحب وترضى".
- لا تنتظر الكمال قبل أن تبدأ؛ البداية هي التي تصنع الخبرة، والخبرة تصنع الثقة.
- تذكر أن الناس تحتاج الكلمة الطيبة، وأنت على ثغر من ثغور الإسلام، فاحذر أن يُؤتى الإسلام من قبلك.
وأسأل الله ختامًا أن يشرح صدرك، ويثبت قلبك، ويجعل لسانك رطبًا بذكره، وأن يفتح لك من أبواب القبول والتأثير ما لم يخطر ببالك، وأن يجعلك من ورثة الأنبياء الذين يهدي الله بهم القلوب، ويحيي بهم النفوس.