Consultation Image

الإستشارة 22/03/2025

ما العبادات التي يمكن للحائض القيام بها في رمضان؟ وكيف يمكن للحائض استغلال وقتها في العشر الأواخر؟ وهل يجوز لها الدعاء والتسبيح في ليلة القدر؟ هل يمكن للحائض حضور مجالس الذكر أو الاعتكاف دون أن يشعر بها أحد وهل يؤثر حضور الحائض في مجالس الذكر، حيث تمنع حضور الملائكة لهذا المجلس الذي تحضر به المرأة الحائض؟ هل يجب الاعتكاف في العشر الأواخر؟ كيف يمكن للمرأة أن تعتكف في بيتها؟

الإجابة 22/03/2025

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه وسلم، وبعد:

 

فالذي يحرم على الحائض بإجماع الفقهاء هو الصيام والصلاة، وقد أمرت بإعادة الصيام، ولم تؤمر بإعادة الصلاة؛ رحمة من الله بها لتكرار الصلاة، بخلاف الصيام الذي يجب على المسلم شهرًا في كل عام.

 

أما ما يجوز لها أن تقوم به فيمكنها أن تذكر الله في بيتها وأن تقرأ القرآن من غير المصحف، أو تستمع إليه، أما دخولها المسجد وحضورها حلق الذكر وقراءة القرآن من المصحف ففيه خلاف، الجمهور على منعه ، وبعض الفقهاء على جوازه، ولم يقل أحد إن حضور الحائض يمنع دخول الملائكة.

 

وحتى لا تحزن المرأة الحائض نبادر فنقول: فعلى الأخت الكريمة ألا تحزن ولا تبتئس؛ فإن الذي خلقها ورزقها هو الذي أمرها بترك الصيام والصلاة حالة الحيض، والترك هنا عبادة وطاعة تثاب عليها المرأة كما تثاب على الفعل سواء بسواء.

 

وثمة أمر آخر: أن الله سيجري عليها ثواب العمل الذي كانت تعمله من صيام وقيام وقراءة للقرآن من المصحف كل ذلك ستأخذ أجره وثوابه دون أن تفعله؛ لأن العذر الذي حبسها، وهذا أمر فطري فرضه الله على بنات آدم.

 

يقول الدكتور القرضاوي –رحمه الله- في كتابه فقه الطهارة عن دخول الحائض المسجد:

 

"دخول الحائض والنفساء المسجد (ومثلهما الجنب) محل خلاف بين أهل العلم… فجمهور العلماء على تحريم دخولهم المسجد، وهذا هو الرأي الشائع عند عامة الناس، وكذلك هو الشائع عند كثير من العلماء، ولا يكاد يفتى إلا به".

 

ولكن هذا لا يعني أنه ليس هناك رأي آخر للفقهاء، فمن حفظ فهو حجة على من لم يحفظ، ومن عرف فهو حجة على من لم يعرف.

 

فبعض الفقهاء أجاز لهم دخول المسجد، ومن هؤلاء الإمام أحمد، والمزني صاحب الشافعي، وأبو داود وابن المنذر، وابن حزم، والشيخ الألباني، والشيخ القرضاوي اختار هذا خاصة في الحائض.

 

والترجيح بين هذين الرأيين مثل الترجيح في كافة الآراء المختلف فيها يكون بحسب الأدلة.

 

ومن الخطأ أن يُسأل الذين جوزوا دخول الحائض للمسجد عن أدلة جوازهم؛ لأن الأصل هو الجواز، ولكن يُسأل من حرم أين أدلة التحريم؛ لأنه لا تحريم إلا بنص.

 

ولذلك قدم المانعون لهؤلاء الأصناف من دخول المسجد الأدلة التي تفيد التحريم، ولكن هذه الأدلة لم تثبت أمام التحقيق.

 

وأبرز ما استدل به المانعون في هذا الجانب حديث: "إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب"، وهذا حديث رواه أبو داود، ولكن الحديث ضعيف، ضعفه أحمد بن حنبل، وضعفه الشيخ الألباني، وبينوا سبب ضعفه، فكيف نأخذ حكمًا من حديث ضعيف؟؟؟!

 

ومن أدلتهم أيضا أن النجس لا يدخل المسجد، والرد على ذلك سهل؛ ففي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة: "المسلم لا ينجس".

 

فينبغي أن يقر في الأذهان أن التحريم لا يكون إلا بنص، وأما من يجيز فقد تمسك بالبراءة الأصلية فلا يطالب بدليل.

 

على أن عبقرية ابن حزم أسعفته بدليل يدل على جواز مكث الحائض في المسجد، وهو حديث في صحيح البخاري؛ فقد روى البخاري في صحيحه من حديث عائشة أم المؤمنين: {أن وليدة سوداء كانت لحي من العرب فأعتقوها فجاءت إلى رسول الله ﷺ فأسلمت فكان لها خباء في المسجد أو حفش}. (الحفش: بيت صغير قليل الارتفاع).

 

قال ابن حزم: فهذه امرأة ساكنة في مسجد النبي ﷺ والمعهود من النساء الحيض فما منعها رسول الله ﷺ.

 

ويقول في مسألة قراءة القرآن للجنب ومسها للمصحف:

 

وذهب بعض الفقهاء إلى تحريم مس المصحف على الجنب، مستدلين بالآية الكريمة: (لا يمسه إلا المطهرون) [الواقعة: 79]، وبالحديث الشريف: "لا يمس القرآن إلا طاهر". وقد ناقشنا هذين الدليلين في فصل (لماذا نتوضأ؟) وبينا: أن المراد بالطاهر: المؤمن، وأن المؤمن لا ينجس، ولا ينبغي أن يحرم من مس المصحف وحمله.

 

قال الشيخ الألباني: والبراءة الأصلية مع الذين قالوا بجواز مس القرآن من المسلم الجنب، وليس في الباب نقل صحيح يجيز الخروج عنها. فتأمل.

 

كما ذهب بعض الفقهاء إلى تحريم قراءة القرآن على الجنب، لحديث عليٍّ رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ كان لا يحجبه ـ أو لا يحجزه ـ عن قراءة القرآن شيء، ليس الجنابة. رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي، ولكن قال الحافظ في (الفتح) ضعّف بعضُهم بعضَ رواته.

 

والحق أنه لم يصح حديث يمنع الجنب من قراءة القرآن، حتى الحديث المذكور ليس فيه دليل على التحريم، فقد تحجزه الجنابة عن القراءة لأنها مكروهة، أو خلاف الأولى، وليس بالضرورة لأنها محرمة.

 

وقد سئل سعيد بن جبير عن الجنب يقرأ؟ فلم ير به بأسًا، وقال: أليس في جوفه القرآن؟!، وذكر البغوي في (شرح السنة) عكرمة من المجيزين قراءة الجنب.

 

وهو مذهب داود وأصحابه وابن حزم، وهو المتفق مع ما صح أنه ﷺ كان يذكر الله على كل أحيانه. وتلاوة القرآن من أعلى مراتب الذكر.

 

على أن القراءة على هذه الحال لا تخلو من الكراهة التنزيهية، لحديث: "إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر". وقد جاء في الصحيح: أن رجلا سلم على النبي ﷺ فلم يرد عليه السلام، حتى أتى إلى جدار في المدينة، فتيمم، ثم رد عليه السلام، وذلك لما في السلام من ذكر الله تعالى. حيث يقول: "ورحمة الله وبركاته".

 

والله تعالى أعلى وأعلم

الرابط المختصر :