الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
104 - رقم الاستشارة : 1394
20/03/2025
أنا الحمد لله ملتزم بالصيام، وبحاول دايمًا أتحكم في انفعالاتي وأحافظ على صيامي، بس لاحظت للأسف إني أحيانًا أنسى الجانب الروحي والأخلاقي وتفلت أعصابي مني بسبب الصيام.
مثلاً، بلاقي حالي بسرعة بعصب أو بنفعل على أمور بسيطة، أو بكون كلامي وتصرفاتي جارحة لمن معي. وبصراحة، هالشي بيخليني حس إني ما عم حقق الصيام مثل ما لازم، وكأنه ناقص.
كيف فيني وصل للصيام الحقيقي يلي مو بس امتناع عن الأكل والشرب، وإنما تهذيب للنفس وضبط للأخلاق والمشاعر؟ شو الطرق أو الخطوات اللي ممكن تساعدني بهالشي؟
أهلاً وسهلاً بك أيها الأخ الكريم، وأسأل الله أن يبارك لك في طاعتك، وأن يزيدك ثباتًا وسكينةً، وأن يجعل صيامك سببًا في رفعة درجتك ومغفرة ذنوبك، وبعد...
فالصيام في الإسلام ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو مدرسة روحية وأخلاقية تهدف إلى تزكية النفس وتهذيبها. يقول النبي ﷺ: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» [رواه البخاري]؛ ما يبين أن الصيام لا يتحقق بكماله إلا إذا كان وسيلةً لضبط النفس وتهذيب الأخلاق.
ولذلك، عندما نجد أنفسنا نصوم عن الطعام والشراب، ولكننا لا نصوم عن الغضب والانفعال والتصرفات الجارحة، فتلك إشارة إلى أن هناك جانبًا يحتاج إلى مزيد من العناية والتزكية.
لماذا نشعر بالغضب والانفعال أثناء الصيام؟
الانفعال أثناء الصيام قد يكون له عدة أسباب، منها:
1- التغيرات الجسدية: فالجوع ونقص السكر في الدم قد يؤثر على المزاج.
2- ضعف التهيئة النفسية: أحيانًا ندخل في الصيام ونحن غير مستعدين روحيًّا، فنركز على الجوع أكثر من تهذيب النفس.
3- الضغوط الحياتية: مع متطلبات العمل والأسرة، قد نجد أنفسنا في حالات ضغط تجعلنا نفقد السيطرة على أعصابنا بسهولة.
فالصيام ذاته ليس سببًا للغضب؛ بل هو فرصة ذهبية لنتعلم كيف نضبط مشاعرنا ونرتقي بأخلاقنا، لأن التحدي الحقيقي هو أن نكون أكثر هدوءًا ورحمةً رغم الجوع والتعب.
كيف نصل إلى الصيام الحقيقي؟
إليك بعض الخطوات العملية التي يمكن أن تساعدك:
1- استحضار النية والهدف من الصيام:
قبل أن تبدأ صيام يومك، ذكِّر نفسك بأن الصيام ليس مجرد ترك الطعام، وإنما هو تربية للنفس على الصبر والتسامح والرفق. استحضر قول النبي ﷺ: «الصيام جُنّة» [رواه البخاري]، أي وقاية، فاجعل صيامك وقاية لك من كل ما يغضب الله.
2- الإكثار من الذكر وقراءة القرآن:
الغضب يهدأ عندما يكون القلب ممتلئًا بالذكر. قال الله تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28]. فكلما شعرت بأنك على وشك الانفعال، توقف لحظة، وقل: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، أو ردد دعاء النبي ﷺ: «اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، وهمزه ونفخه ونفثه» [رواه أبو داود].
3- التدرب على الحلم وضبط النفس:
النبي ﷺ قال: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» [رواه البخاري]. فإذا شعرت بأنك ستغضب، فخذ نفسًا عميقًا، غيِّر وضعيتك، أو ابتعد عن الموقف، ولا ترد بسرعة، وتلك نصيحة النبي ﷺ؛ إذ قال: «إذا غضبَ أحدُكم وَهوَ قائمٌ فليجلِسْ، فإن ذَهبَ عنْهُ الغضبُ وإلَّا فليضطجِعْ» [رواه أبو داود].
4- استشعار مراقبة الله في الكلام والتصرفات:
الله يراك وأنت صائم، ويسمع كلامك، فهل ترضى أن يضيع أجرك بسبب كلمة قاسية أو تصرف متهور؟ قال رسول الله ﷺ: «الصيام لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي» [رواه البخاري]، فهل يليق أن نفرط في هذا الأجر العظيم؟
5- تهدئة النفس بالعبادة والتأمل:
خصص وقتًا يوميًّا لراحة روحك وقلبك، كأن تجلس مع نفسك وتتأمل في نعم الله، أو تقرأ أو تسمع شيئًا من القرآن أو مواد الرقائق، فهذا سيساعدك على إعادة التوازن النفسي.
6- الاستفادة من السحور:
لا تهمل وجبة السحور، فإن فيها بركة، كما قال النبي ﷺ: «تسحروا فإن في السحور بركة» [رواه البخاري]. تناول أطعمة تمدك بالطاقة، وتهدئ الجهاز العصبي، مثل التمر والحبوب الكاملة.
7- الصدقة والإحسان للآخرين:
عندما تكون في حالة غضب، جرِّب أن تصنع معروفًا لشخص ما، أو تبتسم لأحد، أو تتصدق، وستشعر كيف يذوب الغضب من داخلك؛ لأن النفس تهدأ بالعطاء.
وختامًا -أخي الكريم- اجعل صيامك هذا العام مختلفًا، ليس فقط بصيام الجسد؛ بل بصيام القلب واللسان والمشاعر. استعن بالله، وكن واعيًا بمشاعرك، ودرِّب نفسك على الصبر والهدوء.
أسأل الله أن يرزقك صيامًا مقبولًا، وسكينةً في القلب، ورفعة في الأخلاق، وأن يبلغك رمضان دائمًا وأنت في أعلى درجات الرضا والطمأنينة.