الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
88 - رقم الاستشارة : 1750
27/04/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا بنت غير متزوجة، صايرة بالفترة الأخيرة أحرص أكثر على قراءة القرآن، وأحاول أداوم على ورد يومي، بس كثير أحس إني أقرأه كروتين، كأني بس أُنجز قراءة، من غير ما أعيش معانيه أو أستفيد منه بالشكل اللي أتمناه.
أعرف إن القرآن مو بس للتلاوة، بس ما أدري شلون أوصل لهالشعور العميق، أو كيف أقدر أربط بين الآيات وبين حياتي ومواقفي.
أمرّ أحيانًا بحالة من الضيق والحيرة، وأحس إن الجواب يمكن يكون في القرآن، بس ما أعرف كيف أستخرجه أو ألتقط الرسالة.
فودي أعرف: شلون أبدأ فعليًا في تدبر القرآن؟ هل في خطوات أو طريقة عملية تساعدني أفهمه بشكل أعمق؟ أو تفاسير تنفع للي يدور فهم شخصي ومعايشة واقعية؟
مرحبًا بكِ يا ابنتي، وأشكرك على تواصلك معنا، وأسأل الله أن يفتح لكِ فتوح العارفين به، وأن يُنزل على قلبكِ برد اليقين، وأن يجعل القرآن العظيم نور صدرك، وربيع قلبك، وجلاء حزنك، وذهاب همِّك، وبعد...
فالقرآن ليس كأي كتاب نقرؤه لنُنهيه، بل هو كلام الله الذي تكلّم به ربُّ العالمين ويخاطب به قلبك، ويقودك خطوة خطوة إلى نوره. يقول الله تعالى: ﴿كتابٌ أنزلناه إليك مباركٌ ليدَّبروا آياته وليتذكَّر أولو الألباب﴾ [ص: 29]. فالغرض الأصيل ليس التلاوة فحسب، بل الغوص في المعنى، والوقوف عند كل آية وقفة سؤال وتأمل وتفاعل.
وهنا يأتي سؤالكِ الثمين: كيف أصل لهذه الحالة من التدبُّر؟ وأجيبك بتقديم بعض الخطوات التي تساعدك على ذلك بإذن الله.
1- ابدئي بالدعاء قبل القراءة
توجهي إلى ربك قبل أن تفتحي المصحف: «اللهم افتح لي في كتابك، واجعل قلبي محلَّ أنوارك، وفهمي مهبط أسرارك»، فالله وحده هو الذي يشرح الصدور للقرآن. قال تعالى: ﴿أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها﴾ [محمد: 24]. والدعاء الصادق مفتاحٌ لفتح الأقفال.
2- خفّفي سرعة القراءة وزيدي التأمل:
لا تقرئي بهدف إنهاء الوِرد؛ بل اجعلي همَّكِ: ماذا تقول لي هذه الآية؟ جرِّبي أن تتوقفي عند كل آية أثارت فيكِ سؤالًا أو شعورًا. اكتبيها في دفتر صغير، ودوِّني تحتها:
- ما الذي فهمته منها؟
- ما الذي تدعوني إليه؟
- هل تمسُّ واقعي أو حالتي؟
فجأة، ستشعرين بأن الآيات تتحدث عنكِ تمامًا، وكأن الله يجيبكِ ويواسيكِ ويهديكِ.
3- اربطي بين القرآن وحياتك اليومية:
حين تمرين بحالة ضيق، وقرأتِ في وردك مثلًا: ﴿ومن يتقِ الله يجعل له مخرجًا﴾ [الطلاق: 2]، اجلسي لحظة واسألي: ما مخرجي أنا الآن؟ هل اتقيتُ الله حقًّا؟ كيف أجعل هذه الآية تُثمر في حياتي؟ وهكذا يصبح القرآن واقعًا يُعاش، لا نصوصًا تُتلى.
4- اختاري تفسيرًا يُخاطب روحكِ وعقلكِ
من أفضل التفاسير التي تخاطب القلب وتربط الآيات بالحياة:
- تفسير السعدي: سهل، موجز، وروحي.
- كتاب «في ظلال القرآن» لسيد قطب: مليء بالتأملات التربوية والعاطفية؛ لكن يُقرأ بوعي.
- تفسير الشعراوي: يفتح لكِ آفاقًا من التدبر والمعايشة، بأسلوب قريب للنفس.
- الدروس القرآنية الصوتية: كدروس الشيخ محمد متولي الشعراوي، وغيره من العلماء الذين يتكلمون في تدبر القرآن وتفسيره.
5- آية لكل يوم:
كل يوم، اجعلي لنفسك آية تختارينها من وِردك، وتقولين: هذه آيتي اليوم. ارفقيها بدعاء، وتأمل، وتطبيق بسيط.
مثلًا: قرأتِ: ﴿ولا تَهِنُوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلَوْن إن كنتم مؤمنين﴾ [آل عمران: 139]، فاجعليها ردّكِ على شعور الحزن، واطلبي من الله أن يُعليكِ بالإيمان.
حين تحسين أن القرآن لا يؤثّر فيكِ:
هذا شعور كثير منا؛ بل هو دليل على صدق رغبتكِ في التغيير، فلا تيأسي، بل خُذيه كنداء لتجديد نيتكِ مع القرآن.
وقد قال رسول الله ﷺ: «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها» [رواه الترمذي]، فحتى التلاوة التي ترينها «روتينية»، هي زاد وبركة؛ لكنها وحدها لا تكفي لتغيير القلب، لا بد من التمهل، والمناجاة، وربط المعنى بالواقع.
ما تبحثين عنه ليس بعيدًا
وروي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «إنها ستكون فتنٌ» فقال علي: فما المخرجُ منها يا رسولَ اللهِ؟ فقال: «كتابُ اللهِ، فيه نبأُ ما قبلكم، وخبرُ ما بعدكم، وحُكمُ ما بينكم، هو الفصلُ ليس بالهزلِ، من تركه من جبَّارٍ قصمه اللهُ، ومن ابتغى الهدَى في غيرِه أضلَّه اللهُ، وهو حبلُ اللهِ المتينُ، وهو الذِّكرُ الحكيمُ، وهو الصراطُ المستقيمُ، وهو الذي لا تزيغُ به الأهواءُ، ولا تختلفُ به الآراءُ، ولا تلتبس به الألسُنُ، ولا يَخلَقُ عن كثرةِ الرَّدِّ، ولا تنقضي عجائبُه، ولا يَشبعُ منه العلماءُ، من قال به صدَق، ومن حكم به عدَل، ومن عمِل به أُجِر، ومن دعا إليه هُدِيَ إلى صراط مستقيمٍ» [رواه الترمذي].
فكل ما تتمنين الوصول إليه من طمأنينة وهداية وشفاء موجود فيه؛ لكنه يحتاج إلى صحبة دائمة لا مقطوعة، وقلب مفتوح لا مُنكفئ.
اجعلي لنفسكِ جلسة أسبوعية واحدة، تتفرغين فيها لا لتلاوة كثيرة، بل لقراءة 5 آيات فقط بتدبّر عميق، واستخرجي منها رسالة الأسبوع، ثم راقبي أثرها في نفسك.
وختامًا يا ابنتي، قد لا تكون خطوات التدبُّر سهلة دائمًا؛ لكن اعلمي أن كل محاولة صادقة للاقتراب من القرآن، يراها الله، ويكافئكِ عليها بفتح أعظم مما تتخيَّلين.
اسألي الله دومًا: يا رب، اجعلني من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك. وكرري دعاء النبي ﷺ: «اللهم اجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي» [رواه أحمد].
واعلمي أن من استمرَّ على هذا الطريق، ولو بخطوات متعثرة، فإن الله يقوده إليه شيئًا فشيئًا، حتى يذوق حلاوة القرآن، ويتحول الورد إلى حياة، والقراءة إلى لقاء.
أسأل الله أن يجعل القرآن لكِ هاديًا، ورفيقًا، وأن يفتح عليكِ من خزائن تدبِّره، وأن يقرِّبك منه، ويقرِّبك به إليه. دمتِ في نور القرآن ورحمة الرحمن.