Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. موسى المزيدي
  • القسم : إدارية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 99
  • رقم الاستشارة : 1621
14/04/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كيف يتم إدارة عملية إصلاح وتهذيب الإنسان في السجون، بعد ارتكابه جريمة يعاقب عليها، كيف يتم الاستفادة من الجانب الإيماني في ذلك؟ وهل لكم موقف عملي في هذا الإطار؟

الإجابة 14/04/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلاً ومرحبًا بكم على موقع استشارات المجتمع، وبعد:

 

فمن المهم أن تكون عقوبة السجن لإعادة تأهيل الإنسان وتهذيبه ومحاولة إدماجه مع المجتمع من جديد بعد خروجه، وهناك تجارب روعي فيها إحياء الجانب الإيماني وأتت بثمارها، منها ما قامت به جمعية بشائر الخير، التي سأتحدث عنها وعن موقف عملي في ذلك.

 

جمعية بشائر الخير

 

اتصلتْ بي جمعية بشائر الخير تدعوني إلى إلقاء محاضرة للتائبين من المخدرات، والمسجونين في السجن المركزي. أخبرني المسؤول في جمعية بشائر الخير أن هناك فئتين من المسجونين: فئة سيتم إطلاق سراحها قريبًا، وأحد شروط إطلاق سراحهم هو أن يحفظوا جزءًا من القرآن الكريم! وفئة أخرى سيتم إطلاق سراحها خلال عدة أشهر، وأحد شروط إطلاق سراحهم أن يحفظوا جزأين من القرآن الكريم!!

 

لقد رفعَتْ جمعية بشائر الخير شعارًا مفاده: "بالإيمان نقضي على الإدمان". وهي بصدد الحصول على براءة اختراع من الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ بلغت نسبة نجاحها 80% في معالجة المدمنين على المخدرات إيمانيًّا، وهي أعلى نسبة بلغتها دولة في العالم. تحية لدولة الكويت السباقة إلى الخير، وتحية لجمعية بشائر الخير، وتحية للعاملين فيها، وفي مقدمتهم المهندس عبدالحميد البلالي.

 

يعرّفُ القائمون على جمعية بشائر الخير أنفسهم قائلين: نحن في جمعية بشائر الخير لا نبني المساجد، ولا نحفر الآبار، ولا نطبع المصاحف، وإن كانت هذه من أجلّ الأعمال الخيرية وشرف عظيم لمن يقوم بها، لكننا هنا نقوم على صناعة الإنسان، وإعادة ترميمه، وإزالة جميع الركام المتجمع في داخله ومن حوله، ثم نقوم بعملية صقل مضنية ليستعيد بريقه وأصالته، حتى يتحول هو إلى مصحف يتحرك داخل المجتمع بدلاً من قيامنا بطباعة مصحف.

 

ونحن في جمعية بشائر الخير لسنا الأكبر، لكننا في مجال عملنا نحن الأفضل، فإذا كانت النظرة التجارية المادية الحديثة تقوم على مبدأ: الأكبر هو الأفضل، فإننا -ولله الحمد- ركبنا المركب الصعب، وارتقينا المرتقى الأعز، حددنا الهدف وانطلقنا إليه بقوة وعزيمة وثبات، يحدونا الأمل ورعاية الدولة وتكلؤنا عناية الله، وعون الكرام البررة من أهل الكويت الذين جادوا علينا بكرائم أموالهم، وصادق نصحهم، وهكذا بدأ الموكب، وتحركت همم الكوكبة الأولى، حداة القافلة وطلائع العطاء، فكانت "لجنة بشائر الخير" ثم بتوفيق الله ورعايته "جمعية بشائر الخير".

 

وإن الإنجازات التي تقوم بها بشائر الخير كفيلة بصناعة الرجال، وهو جهد يحتاج إلى الدعم والاحتضان والدعاء باستمرار والنجاح بإذن الله، وهو ما نأمله من كل غيور على بلدنا الحبيب الكويت.

 

يقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: "أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرا، ومن كف غضبه، ستر الله عورته، ومن كظم غيظًا، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل، كما يفسد الخل العسل" ]حديث حسن – أورده الألباني في صحيح الجامع[.

 

هذه الأعمال الخيرية العظيمة التي تعتبر أحب الأعمال إلى الله تعالى كلها تشترك بمزية واحدة، وهي الخروج من إطار النفس والذات، إلى نفع الآخرين، وبناء ذواتهم، مما يدل على أشرف وأنبل الصفات البشرية وهي الإيثار، وهي من أبرز علامات الإيمان، إذ قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث المتفق عليه: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" ]رواه البخاري في صحيحه[.

 

ولأننا في جمعية بشائر الخير نحب الخير لوطننا ولأمتنا بادرنا -بمثل هذه الأعمال- إلى إدخال السرور على نفس أم غابت عنها الابتسامة لسنين طويلة في غيبة الوعي لولدها المدمن أثناء إدمانه، ولإعادة الفرحة لزوجة وأبناء حضر أبوهم معهم بجسده، وغاب عنهم بعقله وروحه عندما كان مفقوداً في عالم المخدرات، ولنكشف كربة الأمهات والآباء والزوجات والأبناء الذين يعانون كُربًا كثيرة بسبب إدمان أولادهم، ليعود لهم لم الشمل والفرح والسرور.

 

ونحاول في جمعية بشائر الخير قضاء ديون التائبين من الإدمان، والمساهمة في طرد شبح الجوع عنهم وعن بيوتهم بالتنسيق مع جهات حكومية وغيرها مثل بيت الزكاة وأهل الخير، والمشي في حاجة هؤلاء الإخوة التائبين من الإدمان لنرجعهم إلى أعمالهم التي فصلوا منها، وإعادة العلاقات المنقطعة بينهم وبين زوجاتهم، وبينهم وبين والديهم، والسعي لقضاء حاجاتهم، كل ذلك أحب إلينا من الاعتكاف في المساجد شهوراً عدة.

 

لذا تبنت جمعية بشائر الخير منذ أن تأسست في العام 1993م، مثل هذه الأعمال في إطار معالجتها لموضوع الإدمان على المخدرات والمسكرات. وهي تعمل لتنقية المجتمع من آفة الإدمان على المخدرات، ومعالجة وتأهيل الراغبين في التوبة من هذه الآفة المدمرة، ورعاية أسر التائبين وسد حاجاتهم المعيشية.

 

لذلك كانت تجربتنا التي نقدمها بين أيديكم لعلاج المدمنين إنما تقوم على إنكار الذات، وتعميق الإيمان في نفوس المدمنين؛ حتى يستطيعوا الوصول إلى اتخاذ القرار بعد أن تقوى إرادتهم بقوة الإيمان.

 

بالإيمان نقضي على الإدمان

 

وجمعية بشائر الخير تنطلق من نظرية: "بالإيمان نقضي على الإدمان"، وتقدم نموذجًا علاجيًّا متكاملاً لهذه المشكلة يقوم على الأساس الإيماني النابع من ديننا الإسلامي الحنيف، ويعتمد على تقوية الجانب الإيماني عند المدمن بعد الإقلاع عن المخدرات أو المسكرات، والتوبة إلى الله من هذه المعصية.

 

لذا وضعنا أسس هذا العلاج الإيماني، الذي يقوم على أحد عشر بندًا، وحتى تكتمل تلك الأسس وضعنا خطوات العلاج الإيماني، لتترجم هذه الأسس إلى واقع عملي فعّال. ]انتهى[.

 

زيارة السجن المركزي

 

ذهبتُ في ذلك اليوم إلى منطقة الصليبية -بحسب الوصف- بحثا عن السجن المركزي؛ إذ كانت تلك المرة الأولى التي أزور فيها السجن المركزي. وصلتُ إلى نقطة التقاطع المتفق عليها، لم أجد أحدًا من المسؤولين ينتظرني، فسألت شابين كانا عند نقطة التقاطع: أين موقع السجن المركزي؟ فأجاب أحدهما: يا عم، الظاهر أنك جديد في المنطقة، السجن المركزي في منطقة الصليبخات، وليس هنا في الصليبية، وهو على بعد 5 دقائق من هنا بالسيارة، ونحن في طريقنا إلى النادي الرياضي القريب من السجن، هل نركب معك لتوصلنا للنادي، ونريك موقع السجن المركزي؟ وافقت على عرضهما، على الرغم من أني لا أعرف هذين الشابين، ومن الخطأ أن يجازف الإنسان بحياته في موقع غريب لا يعرفه، ولكن كنت تحت ضغط الوقت؛ إذ لم يبق على بدء المحاضرة داخل السجن سوى 15 دقيقة.

 

حينما ركب الشابان معي في السيارة، وذهبنا إلى النادي الرياضي، طلبا إلي التوقف؛ حيث توجد نقطة تفتيش قرب السجن المركزي، وأخبراني بعدم امتلاكهما بطاقات الهوية، ثم خرجا بسرعة، وشككت في أمرهما؛ إذ لم أر أثرًا للنادي الرياضي قرب مبنى السجن. أما الشابان فكأنما انشقت الأرض وابتلعتهما، ولم أعثر على أثر لهما. ثم تقدمتُ ناحية بوابة نقطة التفتيش، وطلب إليّ رجل الأمن أن أترك كل شيء داخل السيارة، وأن أدخل السجن بلا هوية!

 

دخلت السجن وكلي أمل أن يتم كل شيء على خير، وأخرج بجلدي سليمًا.

 

وفيت بوعدي وخرجت من السجن معافى! وكلي نشاط وهمة، بعد الخوف والهلع اللذيْن أصاباني! فالوفاء بالوعد يمنحك شعورًا بعلو الهمة، لا سيما إذا كان مرتبطًا بحل مشكلات اجتماعية.

 

وختامًا، أسأل الله أن ينعم على مجتمعنا بالأمن والأمان، وأن يحفظنا من شر المخدرات والإدمان، وأن يعم الإيمان حياتنا، ويمتعنا بنعمة العقل والحرية.

 

الرابط المختصر :