Consultation Image

الإستشارة 04/04/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.. فأنا شاب في مقتبل العمر، نشأت في بيئة متدينة، لكني مررت بفتن وزلات دفعتني إلى ارتكاب ذنوب كثيرة، بعضها يعلمه الناس وأكثرها لا يعلمه إلا الله.

ومع أني أيقنت قُبح ما فعلت، وأدركت أن باب التوبة مفتوح، فإنني أشعر أن شبح الماضي يطاردني، وأخشى أن تفضحني ذنوبي يومًا ما، فيعلم بها الناس، أو يُكشف أمري في وقت لا أحتمل فيه العواقب. وأريد أن أبدأ حياة جديدة مع الله، وأن أكون إنسانًا نقيًّا، لكن هذا الخوف من الفضيحة يثقل صدري، ويجعلني مترددًا، بل أحيانًا أفكّر في ترك التوبة خشية أن ينكشف أمري ذات يوم!

والسؤال: كيف أتعامل مع هذا الخوف؟ وهل يقبل الله توبتي حقًّا رغم ما فعلت؟ وكيف أتعايش مع الناس دون أن يؤرقني الماضي؟ أرشدوني، جزاكم الله خيرًا.

الإجابة 04/04/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أيها العائد إلى ربك بصدق، طابت خطواتك ونُور قلبك، وما أجمل أن تكون روحك تفتش عن طريق الرجوع إلى الله!

 

أيها المبارك، إن خوفك من الفضيحة بعد التوبة هو جزء من ندمك، وهو دليل على صدق توبتك (فالندم توبة)، ولكنه في الوقت ذاته باب قد يدخل منه الشيطان ليحبسك عن المسير إلى الله، فاحذر أن يجعلك هذا الخوف رهين الماضي ويمنعك من أن تشرق من جديد في رحاب الطاعة.

 

لذا اسمح لي أن أسجل لك هنا عددًا من النقاط التي يجب التنبه لها، للوصول إلى مرحلة الأمان في طريق السالكين نحو الله، وبيان ذلك على النّحو التالي:

 

أولًا: الله يقبل التوبة بلا قيد ولا شرط:

 

فربك سبحانه يفرح بتوبة عبده، وهو أكرم من أن يردَّ تائبًا، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}، وقال سبحانه مبشرًا عباده مهما عظمت ذنوبهم: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.

 

ولا شكّ أنّك سمعت عن هذا الحديث القدسي، والذي فيه: "يا ابنَ آدمَ، إنَّكَ ما دعوتَني ورجَوتَني غفَرتُ لكَ على ما كانَ منكَ ولا أُبالي، يا ابنَ آدمَ، لو بلغتْ ذنوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثمَّ استغفَرتَني غفَرتُ لكَ، يا ابنَ آدمَ، لو أتيتَني بقُرابِ الأرضِ خطايا ثمَّ لَقيتَني لا تُشرِكُ بي شيئًا لأتيتُكَ بقُرابِها مغفِرةً".

 

فلماذا تخشى شيئًا والله يستر؟ ولماذا تخاف من الناس والله أكرم من أن يفضح من رجع إليه؟

 

ثانيًا: لا تفضح نفسك بنفسك:

 

فمن رحمة الله أن جعل التوبة تمحو الذنب، فلا تخبر أحدًا بما كنت تفعله، ولا تبح بسرِّ نفسك، فقد قال النبي ﷺ: “كلُّ أُمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرينَ، وإنَّ مِنَ المُجاهَرةِ أنْ يَعملَ الرَّجلُ باللَّيلِ عملًا، ثمَّ يُصبِحُ قد سترَه اللَّهُ علَيهِ، فيَقولُ: يا فُلانُ، عمِلتُ البارِحةَ كذا وَكذا، وقد باتَ يسترُه ربُّهُ، ويُصبِحُ يَكشِفُ سترَ اللَّهِ عنهُ” وانسَ الماضي، وابدأ من جديد، ولا تبحث عمّن يعرف أخطاءك، ولا تبحِث في وجوه الناس عن عيون تتهمك، فإن هذا من وساوس الشيطان ليحزنك، فاطوِ تلك الصفحة وكأنها لم تكن.

 

ثالثًا: كيف تتخلص من الخوف من الفضيحة؟

 

1) اجعل بينك وبين الله سرًّا من الطاعات؛ فكما أخفيت المعصية، أخفِ الطاعة، واجعل لك خبيئة لا يعلمها أحد، لعلها تكون سبب ستر الله لك في الدنيا والآخرة.

 

2) تجنب الأماكن والأشخاص الذين يذكّرونك بالماضي، واهجرهم ولا تجالس من قد يثير شكوكك أو يفتح عليك باب الفضيحة، وإن كان هناك أصدقاء سوء، فابتعد عنهم فورًا.

 

3) ثق أن الله يستر من يستر نفسه، فاستعن بالله، وأحسن الظن به، وادعه دائمًا بهذا الدعاء: "اللهم استرني فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض عليك".

 

4) لا تعش تحت تهديد الشيطان؛ فالشيطان يريد أن يملأ قلبك بالقلق والهم، ويُنسيك أن الله تواب رحيم، وربما فاز الشيطان بمثل هذا كما قال ابن الجوزيّ.

 

5) تذكر أن الله غفور رحيم، وليس فضّاحًا منتقمًا؛ فما دمت تبت بصدق، فكن على يقين أن الله غفر لك، فهل يعقل أن يعفو عنك ثم يفضحك؟!

 

وأخيرًا: أيها التائب المبارك، امضِ في طريقك إلى الله، ولا تلتفت إلى وساوس الماضي أو الشيطان، الذي لا يفرح بتوبتك، واعلم بأنّ كل ابن آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوابون، وما دمت قد عُدت، فاعلم أن الله أفرح بتوبتك منك، فارفع رأسك، وابدأ حياتك من جديد، فأنت اليوم في رحاب الله، لا في قبضة الماضي. وفّقكم الله لكل خير، استشعر نعمة الله عليك وامض ولا تلتفت؛ فالملتفت لا يصل.

الرابط المختصر :