Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 114
  • رقم الاستشارة : 1489
03/04/2025

خطيبي شاب مثقف وبيحب القراءة والبحث، وقضى سنين بيقرأ في الدين ويدور حوالين الشبهات، لكن بدل ما يلاقي إجابات تريّحه، زادت حيرته وتوهانه، لحد ما بقى حاسس إنه مايل للإلحاد.

حاولت أوقف جنبه وأساعده وأدور معاه على ردود مقنعة، بس هو شايف إن كل اللي وصله لحد دلوقتي، سواء من كتب أو مناظرات أو حتى مناقشاته مع ناس، مش كفاية عشان يرد على أسئلته ويطمن قلبه.

أنا بحبه جدًا، ومش عايزة الحل يكون إننا نبعد عن بعض، نفسي أساعده بجد، بس مش عارفة أعمل إيه! إزاي أقدر أكون جنبه وأوجهه من غير ما أضغط عليه أو أحس إني ممكن أخسره؟

الإجابة 03/04/2025

ابنتي العزيزة، أرحب بكِ، وأسأل الله تعالى أن يمنحكِ الحكمة والبصيرة، وأن ييسر لكِ الخير حيث كان، وأن يشرح صدر خطيبكِ للإيمان، ويهديه سواء السبيل، ويرزقكِ الطمأنينة والاستقرار في أموركِ كله، وبعد...

 

فإن قضايا الإيمان من أعظم وأخطر ما يواجهه الإنسان في رحلة حياته؛ حيث إنها تحدد مصيره في الدنيا والآخرة. وما يمر به خطيبكِ من شكوك واضطراب فكري ليس أمرًا يسيرًا؛ بل هو اختبار وابتلاء كبير له، ولكِ كذلك؛ إذ إنه يمسُّ أحد أعظم مقومات الحياة الزوجية: العقيدة المشتركة.

 

ومن هنا، فمن الضروري جدًّا أن تنظري للأمر بعين الحكمة؛ لا بعين العاطفة وحدها، وأن تضعي لنفسكِ حدودًا واضحة في التعامل معه؛ لأن العلاقة الزوجية لا بد أن تكون قائمة على الطمأنينة واليقين؛ لا على الحيرة والشكوك.

 

وأريد يا ابنتي أن ألفت نظرك لأمر مهم جدًّا أشعر أنك غافلة عنه، مما قد يجعلك تُحمِّلين نفسك ما لا يجب عليك تحمله، بدافع الحب أو بدافع الدعوة، أو غيرهما، وهو أنك لستِ مسؤولة عن هدايته إلى الإيمان، وإثبات صحة الدين، ولا عن الإجابة على شبهاته، ولا عن محاولات إقناعه؛ لأن الإيمان رحلة شخصية، ومسؤولية فردية، كما قال الله تعالى: ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾ [مريم: 95]، فلا أحد يستطيع أن يُؤمن عن أحد، ولا أن يحمل عنه مسؤولية يقينه؛ فضلًا عما يرتبط بطبيعة هذه المهمة من مقومات وشروط، مثل مدى العلاقة بين الطرفين، والعلم الشرعي، والقدرة على الحوار... إلخ.

 

إن دوركِ ليس أن تخوضي معه في أمور ربما لم تتعمقي فيها علميًّا؛ بل أن توضحي له بهدوء أن البحث عن الحقيقة مسؤولية شخصية، وأن الله –تعالى- قد أمر الإنسان أن يسير في الأرض وينظر ويتدبر ويتعلم من الكون ومن العلماء، لا أن يظل حبيس الأسئلة في الفراغ؛ دون بحث جاد عن إجاباتها الصحيحة.

 

إن النبي ﷺ نفسه عندما جاءه رجل يقول: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك، لم يعطه إجابات جدلية؛ بل قال له ببساطة: «قل آمنت بالله ثم استقم» [رواه مسلم]. فالإيمان لا يأتي بالمعلومات المكتسبة فقط؛ بل هو حالة قلبية تُعاش باليقين والاستقامة.

 

إن أراد خطيبك البحث عن إجابات، فليتوجه إلى العلماء الراسخين في العلم، لا إلى مصادر مشتتة أو مغرضة. ومن ذلك أن يقرأ كتبًا علمية موثوقة، أو يستمع لمتخصصين في قضايا العقيدة، لا لمن يعرضون الشبهات ليشككوا الناس في دينهم، ولا حتى لمن يردون عليها دون تمكن من أدوات العلم والرسوخ فيه.

 

إن كثيرًا من الناس مرُّوا بمراحل شك في حياتهم، حتى الصحابة أنفسهم جاء بعضهم إلى النبي ﷺ يشتكي مما يجول في صدره من وساوس، فقال لهم النبي ﷺ: «ذاك صريح الإيمان» [رواه مسلم]، أي أن مجرد الانزعاج من الوساوس دليل على وجود الإيمان. ولكن المشكلة ليست في مرور الإنسان بمرحلة شك؛ بل في بقائه فيها، وعدم تعامله معها بجدية.

 

إن القرآن الكريم مليء بالآيات التي تخاطب العقل وتقيم الحجة، لكنه في النهاية يقرر قاعدة واضحة: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [يونس: 94]. أي أن من يشعر بالحيرة عليه أن يسأل أهل العلم؛ لا أن يظل مترددًا بلا يقين.

 

يا ابنتي، إذا كان خطيبكِ لا يزال يبحث، فهذا مقبول ويمكن الصبر عليه؛ لكن يجب أن يكون بحثه جادًّا، لا مجرد دوامة من الشكوك التي لا تنتهي، وإلا فإن هذا يعني أنه لا يبحث عن الحقيقة؛ بل عن تبرير لشعوره بالضياع.

 

لا تتعجلي إتمام الزواج

 

ابنتي الغالية، إن الزواج لا يقوم على الحب والعواطف فقط؛ بل هو ميثاق غليظ، قائم على أسس قوية، أولها الدين والعقيدة التي هي أساسه، والعقيدة ليست مجرد هوية تُكتب في البطاقة الشخصية؛ بل يقين ثابت، وأمان روحي، واستقامة على الطريق.

 

كيف لكِ أن تعيشي مع رجلٍ قد يكون غدًا بلا إيمان؟ كيف سيكون شعوركِ إذا استمر في الشك حتى بعد الزواج؟ أو إذا أنكر شيئًا من الدين أو أنكره كله لاحقًا؟ أو إذا بدأ يستهزئ يدينك وأنتِ زوجته؟

 

هذه ليست مخاوف وهمية؛ بل أسئلة يجب أن تطرحيها على نفسكِ بصدق؛ لأن الزواج ليس مؤسسة تهذيبية أو إصلاحية، ولا ينبغي لك أبدًا أن تتزوجي شخصًا على أمل تغييره بعد ذلك!

 

كيف تتعاملين معه الآن؟

 

1- كوني هادئة ومتفهمة؛ لكن لا تخوضي معه في مناقشات عقائدية لا تملكين أدواتها، ولا تسمحي له أن يحوِّل كل نقاش بينكما إلى جدل في الدين.

 

2- شجعيه على البحث الجاد عند أهل العلم، ولا تكتفي بتوجيهه نحو القراءة، بل -إن استطعتِ- عرِّفيه بأحد العلماء المتخصصين في أمور العقيدة والإلحاد، يمكنه الحديث معه مباشرة، ولو عبر وسائل التواصل الإلكتروني.

 

3- ادعي له كثيرًا، فإن الهداية بيد الله، والنبي ﷺ دعا حتى لمن كانوا أشد الناس عنادًا، فكيف برجل لا يزال مترددًا؟

 

4- أكرر: لا تربطي مصيركِ بمصيره قبل أن يحسم أمره. كوني واضحة معه أنكِ بحاجة إلى أن يكون لديكِ زوجٌ مؤمنٌ ثابتٌ في إيمانه؛ وهذا ليس شرطًا ثانويًّا؛ بل أساس الحياة الزوجية؛ بل الحياة عمومًا.

 

وختامًا -ابنتي العزيزة- الحب مهم في الزواج، لكنه وحده لا يكفي. هناك أمور لا يمكن التهاون فيها، والإيمان على رأسها. لا تتسرعي في حسم مستقبلكِ حتى تري وضوحًا في موقفه، ولا تسمحي للعاطفة بأن تغطي على عقلكِ. أسأل الله أن ينير قلبكِ، وييسر لكِ الخير، ويرزقكِ بزوج يكون لكِ سكنًا وإيمانًا وأمانًا.

 

اللهم يا مقلب القلوب، ثبِّت قلب خطيبها على الإيمان، وافتح له أبواب الهداية، وأرِهِ الحق حقًّا وارزقه اتباعه، وأرِهِ الباطل باطلًا وارزقه اجتنابه. اللهم آمين.

الرابط المختصر :