Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 78
  • رقم الاستشارة : 1488
03/04/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أنا راجل متجوز من كام سنة، وعندي مشكلة مضيقاني جدًا. كنت قبل الجواز بشوف المواقع الإباحية، ولما عرفت إنها حرام وبتأثر على العلاقة الزوجية، بطّلتها الحمد لله. لكن بعد فترة، لقيت نفسي بدخل على مواقع بتقدّم قصص جنسية، سواء مقروءة أو مسموعة، يعني مفيش صور ولا مشاهد مرئية، بس الكلام نفسه مثير. بصراحة، شهوتي قوية، وبحس إنّي مش قادر أبطل النوع ده من المحتوى، وده مسبب لي تأنيب ضمير.

فأنا عايز أعرف:

هل النوع ده من المحتوى حرام زي المواقع الإباحية؟ ولو حرام، إيه السبب؟

إزاي أقدر أبطل العادة دي وأسيطر على شهوتي؟

هل فيه بدائل حلال تخفف الرغبة وتخليني مستمتع من غير ما أقع في الحرام؟

ياريت تفيدوني، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة 03/04/2025

مرحبًا بك أخي الكريم، ونسأل الله أن يعينك على طاعته، وأن يرزقك العفة والرضا، وأن يملأ قلبك سكينةً وقوةً وثباتًا على الخير، وبعد...

 

إن الله -سبحانه وتعالى- خلق الإنسان بغرائز وميول، لحكمة عظيمة تتعلق بإدارة الكون وشؤون الحياة؛ لكنها تحتاج إلى تهذيب وتوجيه؛ لأن النفس إن تُركت لشهواتها دون ضوابط، جرفت صاحبها إلى ما لا يُحمد عقباه.

 

ومن فضل الله علينا أنه لم يتركنا هملاً؛ بل وضع لنا ضوابط تحمينا، وشرع لنا ما يُغني عن الحرام، وأرشدنا إلى الوسائل التي تعيننا على ضبط النفس وصونها من الفتن.

 

إن السؤال الذي طرحته يعكس إدراكك لأهمية الأمر وحرصك على معرفة الحق، وهذا في حد ذاته نعمة من الله؛ فكم من الناس ينغمسون في مثل هذه الأمور دون أن يبحثوا عن حكمها أو يعزموا على تركها!

 

لذلك، سأحاول أن أوضح لك المسألة من جوانبها المختلفة، مع بعض التوجيهات العملية التي تساعدك على تجاوز هذا الابتلاء.

 

أولًا- هل قراءة أو سماع القصص الجنسية حرام؟ وما العلة في تحريمها؟

 

نعم، أخي الكريم، هذا النوع من المحتوى مُحرَّم شرعًا، وذلك لعدة أسباب مستمدة من النصوص الشرعية والفهم الصحيح لمقاصد الشريعة الإسلامية، منها:

 

1- لأنه من الزنا المعنوي:

 

فالشرع لم يحرِّم فقط الزنا الفعلي الصريح؛ بل حذَّر من كل ما يؤدي إليه أو يهيِّج الشهوة بغير حق، وقد قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 32]، وفي هذا تحذير ونهي عن مجرد الاقتراب من الزنا، فمجرد الاقتراب منه مقدمات الزنا –ومنها القصص المثيرة– هو طريق إلى السوء والضياع؛ لأنها تجعل القلب يتشوَّق إلى مزيد من المحرمات، والتدني أكثر في دركات المعصية.

 

وقال النبي ﷺ: «كُتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، فهو مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرِّجل زناها المشي، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه» [متفق عليه].

 

وهذا الحديث واضح في أن كل وسيلة تثير الشهوة دون سبب مشروع تدخل في معنى الزنا المعنوي، سواء كان بالنظر، أم بالاستماع، أم حتى بالخيالات.

 

2- لأنه يُثير الشهوة في غير موضعها:

 

إن الإسلام لا يمنع الإنسان من الاستمتاع؛ لكنه يحصر ذلك في العلاقة الزوجية المشروعة، وما عداها فهو من التعدي. يقول الله تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَٰفِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَٰجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذَٰلِكَ فَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ﴾ [المؤمنون: 5- 7]. فالآية تحصر الاستمتاع في إطار الزواج، وكل ما سواه يُعد اعتداءً على حدود الله.

 

3- لأنه يُضعف القلب ويورث ظلمة في النفس:

 

كلما انشغل القلب بالشهوات، قلَّ فيه نور الإيمان، وطغت عليه الظلمة، وقد روي عن ابن عباس –رضي الله عنهما- أنه قال: «إنَّ لِلْحَسَنَةِ نُورًا في القَلْبِ، وضِياءً في الوَجْهِ، وقُوَّةً في البَدَنِ، وزِيادَةً في الرِّزْقِ، ومَحَبَّةً في قُلُوبِ الخَلْقِ، وإنَّ لِلسَّيِّئَةِ سَوادًا في الوَجْهِ، وظُلْمَةً في القَلْبِ ووَهَنًا في البَدَنِ، ونَقْصًا في الرِّزْقِ، وبُغْضَةً في قُلُوبِ الخَلْقِ، وهَذا يَعْرِفُهُ صاحِبُ البَصِيرَةِ، ويَشْهَدُهُ مِن نَفْسِهِ ومِن غَيْرِهِ».

 

وقال عبد الله بن المبارك:

 

رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها

 

وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها

 

4- لأنه يؤثر سلبًا على العلاقة الزوجية:

 

هذا النوع من المحتوى يغرس في نفسك توقعات خيالية عن العلاقة الزوجية، تجعلك غير راضٍ عن الواقع الحلال، فتبحث عن مزيد من الإثارة بطرق غير مشروعة، وقد تُصاب بالفتور مع زوجتك، وهذا من مكايد الشيطان.

 

5- لأنه قد يدفع إلى سلوكيات محرمة:

 

كثير من الذين يقرؤون هذه القصص لا يكتفون بها ولا تشبعهم، بل يقعون في إطلاق البصر للحرام، وما يترتب عليه من ممارسة العادة السرية لتفريغ الشهوة، وهي أيضًا من الأمور التي تضعف النفس والجسد وتزيد التعلق بالشهوات.

 

ثانيًا- كيف يمكن الإقلاع عن هذه العادة والتحكم في الشهوة؟

 

علاج هذا التعلق يحتاج إلى جهد صادق وتخطيط عملي، وإليك بعض الوسائل:

 

1- تقوية علاقتك بالله:

 

عن طريق الالتزام بالفرائض، والحفاظ على النوافل، والإكثار من الدعاء بأن يعينك الله على العفة والطهارة، فقد كان النبي ﷺ يدعو: «اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى» [رواه مسلم]. وكذلك الإكثار من قراءة القرآن، فهو شفاء للقلوب، قال الله تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الإسراء: 82].

 

2- الابتعاد عن الأسباب المؤدية لهذا الفعل:

 

قم بحذف جميع المواقع أو التطبيقات التي تتيح لك هذا النوع من القصص. وتجنب الجلوس منفردًا مع الهاتف أو الكمبيوتر دون هدف نافع.

 

3- إشغال الوقت بما هو مفيد:

 

كممارسة الرياضة التي تساعد في تفريغ الطاقة الزائدة بطريقة صحية، واستثمار الوقت في هوايات مفيدة مثل القراءة، أو تعلم مهارات جديدة.

 

4- تعزيز العلاقة الزوجية:

 

ويمكنك ذلك عن طريق:

 

- تخصيص وقت للجلوس مع الزوجة والتقرب منها عاطفيًّا وجسديًّا.

 

- التجديد في العلاقة الزوجية بالحلال والاستمتاع بها كما أباح الله.

 

- التحدث مع الزوجة بصراحة عن احتياجاتك، فقد قال النبي ﷺ: «وفي بُضع أحدكم صدقة» [رواه مسلم].

 

- الإكثار من الصيام:

 

والصيام لا يعني الامتناع عن الطعام فقط، بل هو تدريب للنفس على التحكم في الشهوة، وقد قال النبي ﷺ: «من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وِجَاء» [متفق عليه].

 

ثالثًا- ما البدائل الحلال التي تحقق المتعة دون الوقوع في الحرام؟

 

1- تقوية العلاقة الزوجية والاستمتاع بالحلال.

 

2- إيجاد وسائل ترفيه نقية، مثل مشاهدة أفلام وثائقية، أو قراءة روايات هادفة.

 

3- الاندماج في المجتمع والقيام بأعمال نافعة؛ لأن العزلة تزيد من الوقوع في الشهوات.

 

وختامًا -أخي الحبيب- أنت في طريق الخير ما دمت تبحث عن الحق وتسعى لترك الحرام، فاجتهد وتوكل على الله، وأبشر بالخير، فإن الله وعد من يجاهد في سبيل العفة بأن يهديه إلى الطريق المستقيم، فقال: ﴿وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت: 69].

 

أسأل الله أن يعينك، ويرزقك العفة والطهارة، ويجعل زواجك سكنًا ومودةً ورحمة، ويغنيك بالحلال عن الحرام.

الرابط المختصر :