الإستشارة - المستشار : أ. عزة مختار
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
134 - رقم الاستشارة : 1679
19/04/2025
تزوجت من شاب مهذب، طيب القلب وحسن الأخلاق، ميسور الحال، استطاع أن يأسر كل أهلي بصوته الهادئ وسلوكه المحترم، واهتمامه بالجميع واحترامه للصغير قبل الكبير، لم يرفض لوالدي طلب حين غالى في طلباته من شبكة ومهر، لم يعترض بالرغم من اعتراض أخواته البنات الثلاث اللائي يكبرنه وهو الذكر الوحيد بينهم وهو أصغرهم، لكنه كان يهدئ من وقع كلماتهن، ويحسن التصرف بإرضائهن وإرضاء والدي في ذات الوقت.
كنت خائفة بما أنه وحيد والدته وأخواته البنات من أن يخضع لسيطرتهن، أو سيطرة والدته، لكنه كان حازم في أمور كثيرة خاصة بتجهيز شقتنا في بيت العائلة الذي تركه لهم والدهم، لكل واحد منهم شقة في العمارة المخصصة لهم لا غريب بينهم، وأما هو فقد خصص له الدورين الأخيرين على شكل فيلا تسكن والدته في الطابق الأول منها، ونحن في الطابق الثاني.
تم الزواج وكنا أسعد ما يكون حتى ظهرت سحب الخلافات، حين أصبحت مضطرة للاستيقاظ مبكرا كي أستقبل الثلاث بنات بأبنائهن لنتناول الافطار سويا بالطابق الأرضي مع والدتهن التي لا تنام من بعد الفجر، لتستعد لبدء اليوم منذ بدايته في استقبال بناتها على الإفطار، ويمكثن معنا حتى بعد الظهر، قد تغادر إحداهن لقضاء بعض احتياجاتها وتترك أبنائها وترحل وقد تغيب اليوم كله بينما الأبناء عندي، أو عند أمهن كما يقلن دائما، أضطر لقضاء الوقت معهن ولا أصعد لغرفتي إلا ليلا حين يعود زوجي ونتناول العشاء سويا مع هذا (الجيش).
في معظم الأيام، نعم حماتي هي التي تنفق معظم الأيام، لكنني أضطر مع قليل من المساعدة منهن أن أقوم بالطهو والتنظيف وتحمل أعباء مشاجرات الأطفال واحتياجاتهم والتنظيف خلفهم، مع تحمل النقد على مستوى ملابسي وألوانها ونوعيتها، مع انتقاد صمتي معظم الوقت، مع تحمل همساتهم وتأففهم من تأخري في تأدية طلبات حماتي التي تضطر لتناول غدائها في مواعيد محددة حتى تنتظم في علاجها.
كل شئ متوفر في البيت الكبير، وهناك من تساعدني في المطبخ بعض الأيام، ولا يحرمني من زيارة أهلي كل أسبوع أو أسبوعين، لكنني تعبت من فقدان الخصوصية التي تتمناها أي امرأة أخرى، أتمنى ولو شقة صغيرة تجمعني أنا وهو وحدنا، وليذهب لوالدته كما يريد، ويبرها كما يجب، ونتزاور مع أخواته وقتما يحلو له.
لكنني أريد بعض الخصوصية في حياتي ولا أجدها، إن طلبت منه الخروج، هرولت أخواته ليكونوا معنا، دائما هن معنا، حاجات أخواته هو من يقضيها ولو استنفذ ذلك يومه كله، في أجازات عمله أريد أن أقضي معه ليلة وحدنا كما يفعل الأزواج، لكنه لا يستطيع من أخواته المتعلقات به كتعلق الأطفال بأبيهم، لا أستطيع أن أخلو به حتى ينهك تماما من تلبية طلبات عمله وأمه وأخواته، فيصعد لغرفته لا يرى أمامه، ولا يكاد يسمع صوتي.
لست أدري ماذا أفعل؟ وكيف أعيش مع زوجي في حياة هادئة ككل زوجين في بداية حياتهما؟ لا يهمني البيت الكبير، ولا يهمني نفقات والدته التي تريده لبناتها وحدهن، ولا يهمني يسر حاله، بقدر ما يهمني أن أهدأ قليلا وأتنفس الصعداء، فماذا أفعل؟ دلوني بالله عليكم.
ابنتي الغالية، بعد الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول وبالله التوفيق:
قلبي معك وأشعر بمعاناتك وأتقاسم معك الألم الذي تشعرينه، وأشاطرك رغبتك في التحرر من القيود المفروضة عليك خاصة في بداية زواجك ورغبتك في حياة هادئة بعيدًا عن صخب العائلة.
والمشكلة هنا لها جذور أنتم من تسببتم بها أنت وأسرتك منذ البداية، فالظروف التي أحاطت بزوجك الطيب المتفهم الهادئ الطباع الكريم كما وصفته أنت، هي أنه الولد الوحيد لأمه على ثلاث من البنات هو أصغرهن، أي أنه تربى بصورة مختلفة عما في مخيلتك، هو الرجل الوحيد بينهن.
ومن الواضح أنها أسرة مترابطة لدرجة أنهن يقضين اليوم عند والدتهن وفي بيت أخيهن الوحيد، بالرغم من أن كل واحدة منهن على بعد درجات السلم بين الطابق والآخر، ومع ذلك، لا يستطعن الابتعاد عن الأم، ولا يتصرفن إلا من خلال الأخ الذي ارتبط نفسيًّا بهن وبوالدته، فهو بار بأهله بحكم أشياء كثيرة.
والحقيقة أنه كان على والدك أو والدتك أن يوضح تلك النقطة لك قبل الارتباط، أنتم كان كل ما يشغلكم، كم من المهر سيدفع؟ وكم من الشبكة سيشتري؟ وأنه سوف يعيش في فيلا مجهزة حتى لو كانت والدته معه، لم تفكروا حين تدخلت أخواته أثناء التجهيز أنهن سوف يكن في حياته بشكل مباشر، حرصًّا عليه وحبًّا له.
كان يجب على أسرتك أن تفهم الوضع، وتتوقع ما سيكون، كان الحل وقتها سيكون أيسر بكثير، وهو أن يشترط والدك أن تكون لك حياة مستقلة بالشقة العليا، على أن تكون والدته معكما بالشقة الأخرى بالأسفل، على أن تقضي بعض الوقت معها وتتفقدي أحوالها كأي كنة ابنة أصول، كان الحل سيكون يسيرًا دون أن يخسر هو أهله، ولا تخسري أنت مكانتك في قلوبهم فيما بعد، أما وقد وصلنا لما آلت إليه الأمور الآن، فللحديث مجرى آخر:
أولا: لنبدل الأوضاع مؤقتًا، لتتخيلي أنك أنت والدة ذلك الشاب، أو أن والدتك هي والدته، قامت على تربيته بشكل جيد، ووثقت علاقته بأخواته حتى صار هو محور اهتمامهن، وهو سندهن واحتل مكان والدهن بالرغم من صغر سنه؟ ماذا كان موقفك من أخيك وقتها؟ ألست سوف تضعينه تاجًا فوق رأسك؟ ألن تفخر به والدتك وأنت وأخواتك على حسن أخوته ورفيع خلقه؟ ألن يكون بين الناس الولد البار بأهله والذي يدعو له الجميع؟
فماذا إذا اشتكت زوجته من أنها لا تستطيع العيش مع زوج يعطل معظم وقته ومعظم اهتمامه لأهله، بينما يعود إليها في نهاية الأمر مرهقًا لا يستطيع إلا النوم؟ ألن يطلب منها الجميع أن تشكر الله على أن وهبها مثل هذا الذي يتقي الله في أمه وبناتها؟ ألن تلاحقها الألسنة غاضبة بأسئلة مثل: وماذا ينقصك؟ وماذا تريدين غير النعيم الذي تعيشين فيها؟ هل أهانك؟ هل قصر في حقك؟ هل منعك عن أهلك؟
لو نظرنا للأمور بشكل معكوس يا حبيبتي ووضعت نفسك مكان حماتك أو أخت زوجك، لنظرت للأمور بصورة مغايرة أيضًا، ولتغير حكمك عليه، والتمست له ألف عذر، بل وأشدت به كذلك.
فلماذا لا تنظرين لأمه وكأنها أمك التي تريد أن تختم حياتها وهي مطمئنة على أن أولادها يد واحدة، لا يفرقهم زوج ابنة، ولا امرأة ابن؟ أليس من حقها كأم أن تنعم بتلك المبادئ التي ربتهم عليها؟ وتطمئن على أولادها، ويلتفوا حولها وهي امرأة مسنة، بمعنى أن سنوات عمرها مرت، ولم يبق لها سوى القليل؟
ثانيًا: الحديث يجب أن يكون موجهًا لزوجك، وليس لوالدته أو لأخواته، وإلا فسوف يقال أنك تطردينهن من البيت الذي بناه والدهن، وأنك تفرقين بينهن وبين ابنهم، عليك أن تخاطبي زوجك بود ومحبة وبرفق، ولا تخطئي في حق والدته أو أخواته فحقهن أن يكون أخوهن الوحيد بينهن، وحقك أنت كزوجة أن يكون معك في وقت كاف يشبع إنسانيتك كزوجة تحتاج دومًا للقرب من زوجها، تطلبين منه أن يوازن أموره، وأن يجعل لك وقتًا خاصًّا بكما، وأن هذا من باب حبك للتواجد معه، وحرصك على توثيق العلاقة بينكما، مطالبته يجب ألا تكون بنوع من الندية، وذكر الحقوق والواجبات، وإنما بالحب والمودة وصدق الرغبة في القرب منه.
ثالثا: يمكن أن يتم طرح رغبتك في الانفصال بحياتك في طابق منفصل بشكل كامل مع زوجك، حتى تكون أخواته مع والدتهن بحرية، وفي ذات الوقت تقضين معهن بعض الوقت وتزيحين الحواجز بينكن، كوني بديلة لأخيهن في بعض الأمور، حتى لو كنت الأصغر سنًّا، فبالحب يكبر الصغير، ويلين الكبير.
رابعًا: أعلم أن الأمر شاق، لكن قارني حياتك بحياة غيرك من الفتيات في عائلتك على سبيل المثال، أو بصديقاتك؛ فالدنيا يا حبيبتي ليست دار سعادة مطلقة، وإنما خلق الله عز وجل الإنسان في كبد، فمهما بلغت درجة راحتك في الدنيا فهناك ما يفسدها، ويشوه صورتها الجميلة، وإلا لتعلق الناس بها ونسوا الآخرة، ونسوا الله رب العالمين.
ولا تحسبي أن هناك من يحصل على كل شيء، فربما كانت حياتك مستقلة في شقة مغلقة لا يفتحها عليك سوى زوجك، ويقضي معظم الوقت معك، لكن قدراته المادية تعجز أن يوفر لك كافة احتيجاتك، أو تكون قدراته جيدة، ثم هو يبخل بها عليك، أو يكون لديه كل هذا، ولا يرزقكما الله بأبناء، أو يبتيله بمرض لا تستطيعين معه صبرًا، أو أن يكون سيئ الخلق فيسمع الجيران شجاركما ليل نهار.
العشرات، بل والمئات من المشكلات التي تعيشها الفتيات من حولك وأنت تعرفينها جيدا، وحين تفكرين فيها تستعيذين بالله منها، وتحمدين الله ألف مرة أنها لم تكن لك، لعدم قدرتك على تحملها.
قارني بين حياتك وحياة هؤلاء الذين من حولك، ستجدين أنك تتميزين عنهن بالكثير، زوج طيب كريم يتقي الله بك، يحب من حوله، ويحبه من حوله، تدعو له والدته وأخواته كل يوم، كوني جزءًا من منظومته، لا أطالبك بنسيان طموحاتك أو تجاهلها، وإنما تجاوبي مع حياتك بشكل إيجابي فيريكِ الله خيرها، ويبارك لك فيها، ويهدي لك قلب حماتك وبناتها.
الحياة يا حبيبتي أبسط بكثير مما نحاول تعقيده، اقبليها كما هي مع قليل من المطالبات البسيطة بالمودة والحب، تهنأ حياتك، ويستقيم لك قلب زوجك وأهله.
خامسًا وأخيرًا: لتعلمي أنك لست في حرب مع حماتك من يسيطر على زوجك أكثر، فهو ليس طفلاً ينتظر من يقوده، أنت دخلت هذا البيت وهو مترابط وسعيد، فلا تكوني سببًا في تفككه وإلقاء ظلال الخلافات عليه، وكوني طوع زوجك تضمني الجنة ومرضاة ربك، كوني واحدة من بناتها، وأختًا لأخواته يستقيم لك قلب زوجك.
وأخيرًا عليك بالدعاء أن يحببهن إليك، ويحببك إليهن، وتكوني واحدة منهن، ولتعلمي حبيبتي أنها فترة وتنقضي وسوف تشتاقين لتلك الأيام يومًا حين يتوفى الله حماتك وينفض الجمع من حولها ويسكن البيت ويتسع على أصحابه حد الوحشة، وتفقدين بركة وجودها بينكم، صدقيني سوف يعتريك الندم في اليوم ألف مرة أن مرت بك هذه الأفكار؛ فالأيام ما أسرع مرورها، والأعمار سرعان ما تنقضي ولن يبق منها سوى ما غرسناه فيها، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، أصلح الله لك شأنك كلها، وراسلينا مرة أخرى لنطمئن عليك، لا كتب الله عليك شقاءً أبدًا.