الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
88 - رقم الاستشارة : 1410
23/03/2025
دكتورة، أنا أب لطفلة تبلغ من العمر 8 سنوات، حيث تعاني من ظاهرة غريبة لم يجد لها تفسيرًا واضحًا. الطفلة تتحدث أثناء النوم بكلمات مترابطة وبجمل كاملة، لكنها بلغة لم يتعلمها أحد في الأسرة أو في المدرسة!!
أحيانًا تتحدث بلغة تبدو وكأنها مزيج من عدة لغات، وأحيانًا أخرى بلغة غير مفهومة تمامًا.. الأمر تطور إلى أنها أصبحت تكتب رموزًا وكلمات على الورق عند استيقاظها، ثم تنكر أنها كتبتها أو تقول إنها لا تتذكر.
الأسرة في حيرة، وبدأت الشكوك تساورنا بين كون الأمر ظاهرة نفسية، أم حالة روحانية، أم مجرد خيال طفولي.. ما العمل؟
أخي الكريم، إن الظاهرة التي تصفها تُعرف في علم النفس التربوي والنمائي باسم "البارافيلية اللغوية"، وقد تكون جزءًا من ظاهرة أوسع تُدعى "الهوس اللغوي التلقائي، والتي ترتبط أحيانًا بالنشاط المفرط للفص الأيسر من الدماغ المسؤول عن اللغة والذاكرة.
كما أن هناك احتمالا بأن تكون ابنتك تمتلك ذاكرة ضمنية فائقة (Hyperthymesia)، حيث يختزن العقل الباطن لديها كلمات أو أصوات سمعتها في بيئة ما دون وعي واضح بها.
وأود أن أطمئنك من الناحية التربوية والنفسية، لا داعي للقلق المفرط..
لكن يجب أن نبحث في بعض الأمور التي قد تكون مؤثرة على سلوكها:
1- البيئة المحيطة وتأثيراتها اللاشعورية.. قد تكون الطفلة تعرضت لمحتوى لغوي معين عبر التلفاز أو الإنترنت دون وعيكم بذلك، وتمكنت من تسجيله في عقلها الباطن، وفقًا لنظرية "التعلم غير المقصود" (Incidental Learning)، فإن الأطفال قادرون على امتصاص المعرفة بشكل غير واعٍ، خاصة إذا كانوا يتمتعون بقدرات معرفية عالية.
2- أيضا قد تكون ابنتك تتمتع بذكاء لغوي فطري فائق جدًّا، وفقًا لنظرية "الذكاءات المتعددة" (Multiple Intelligences Theory) لعالم النفس "هاوارد جاردنر"، مما يجعلها تمتلك قدرة فريدة على استيعاب اللغات حتى دون التعلم الرسمي لها.
3- كذلك ربما تعيش طفلتك بعمق في الخيال الطفولي الواسع (Rich Imagination)، حيث إنه في هذه المرحلة العمرية، يتشكل لدى الأطفال خيال خصب، قد يتجسد في أحلامهم وسلوكهم أثناء النوم، وهو ما يُعرف بـ"الإدراك الحدسي الطفولي" (Childhood Intuitive Cognition).
* وهنا سوف أوصيك أخي بعدة نصائح عملية لتتمكن من التعامل مع حالة طفلتك:
1- المراقبة الهادئة دون قلق مفرط..
لا تجعلوا الطفلة تشعر بأنها "حالة غريبة"، فهذا قد يعزز لديها شعورًا بالقلق أو الانعزال.
ثم سجل ملاحظاتك عن الأوقات التي تتكرر فيها هذه الظاهرة، وهل هناك محفزات معينة (قبل النوم، بعد مشاهدة محتوى معين... إلخ).
2- يجب تعزيز التوازن النفسي والتربوي لديها..
أي حاول تعزيز تواصلها مع اللغة العربية الفصحى من خلال القصص والقرآن الكريم؛ إذ يُسهم ذلك في تنظيم فكرها اللغوي.
- وأشغل وقتها بأنشطة معرفية مثل حل الألغاز اللغوية والألعاب الذهنية، فهذا سيساعد في توجيه طاقتها الذهنية في إطار إيجابي.
- استخدموا معها "إعادة التوجيه السلوكي" (Behavioral Redirection) عبر استبدال بهذه الظاهرة أنشطة أخرى تعزز الذكاء اللغوي بشكل واعٍ لديها.
3- كما أوصيكم بضرورة الدعم الديني والأخلاقي..
فعلينا ألا ننسى دور الدين في تهذيب النفس والوجدان، فقد قال الله تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾، مما يشير إلى أن هناك أمورًا خفية قد تكون فوق إدراكنا.
ويمكن تعليم الطفلة بعض الأدعية التي تقال قبل النوم، مثل قول النبي ﷺ: "اللهم إني أعوذ بك من شر ما رأيت في منامي".
4- الأمر الضرورى والأهم هنا بعد الخطوات السابقة، وفي حال استمرار الأمر وأثر على حياتها اليومية، هو استشارة طبيب نفسي متخصص في "اضطرابات النوم اللغوية" (Sleep Linguistic Disorders) أو أخصائي في علم الأعصاب لمعرفة ما إذا كان هناك تفسير علمي آخر، مثل فرط النشاط العصبي في الدماغ أثناء النوم..
وغالبا سيطلب منكم إجراء بعض الفحوصات والأشعات الضرورية، فلا تقلقوا، فهى لازمة وروتينية وسوف تساعده في تحديد أسباب ما يحدث مع طفلتكم، وعلاجها إن شاء الله تعالى.
* ونصيحة مهمة إلى كل أم وأب أو مسؤول عن طفل: ألا يتوقف عند الظواهر الغريبة التي يلاحظها في طفله أو طفلته، بل عليه البحث بعمق، فكل ظاهرة قد تحمل في طياتها موهبة يجب استثمارها، بدلًا من أن تكون مصدر قلق.
* همسة أخيرة لك أخي الكريم:
ابنتك قد تكون موهوبة لغويًّا أو ذات ذاكرة استيعابية غير عادية، وهذه ليست مشكلة، بل قد تكون فرصة لاكتشاف جانب مميز في شخصيتها، المهم هو التوجيه السليم، والتعامل بهدوء وعقلانية بعيدًا عن التهويل أو التخويف.