Consultation Image

الإستشارة 19/03/2025

شيخنا الفاضل، أجد نفسي في مواجهة دائمة مع شخص يخالفني في الأيديولوجيا والأفكار والمذهب الفقهي، لكنه لا يكتفي بالمخالفة، بل يسعى لإثارة العداوة بيني وبين الآخرين، ويبذل جهده في المعاندة والتأليب عليّ، حتى صارت علاقته بي مليئة بالغلّ والغيرة الشديدة. كيف أتعامل معه؟ وكيف أرّقّق قلبه وأصرفه عن هذا السلوك العدائي؟

الإجابة 19/03/2025

أخي الكريم، أسأل الله أن يثبتك على الحق، ويشرح صدرك بالحكمة والبصيرة، وأن يهدي قلب هذا المخالف لما فيه الخير والرشاد.

 

إن التعامل مع المخالف –خاصة إذا كان ممن يحمل العداوة والخصومة– يحتاج إلى مزيج متوازن من الحزم والرحمة، وبين الصبر والتوجيه الحكيم. وإليك بعض الخطوات المستمدة من الكتاب والسنة وتجارب العلماء في التعامل مع هذه المواقف:

 

أولًا: افهم طبيعة الخلاف وأسبابه

 

ليس كل خلاف يستدعي المواجهة أو الانجرار إلى الخصومة، فقد يكون الاختلاف ناشئًا عن:

 

- سوء فهم لمواقفك وأفكارك.

 

- تعصب مذهبي أو فكري.

 

- رغبة في إثبات الذات أو الشعور بالنقص.

 

- تأثره ببيئة معينة أو بأشخاص يدفعونه للعداء.

 

- لذا، من الحكمة أن تحاول فهم الدوافع الحقيقية وراء مواقفه، فقد تجد مدخلًا لإصلاح العلاقة.

 

ثانيًا: التزم بالحلم والصبر

 

- يقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُۥ عَدَٰوَةٌۭ كَأَنَّهُۥ وَلِىٌّۭ حَمِيمٌۭ﴾ فهذا منهج ربانيّ في التعامل مع المخالف، بأن نقابل الإساءة بالإحسان، والغلظة باللين، حتى تتحول العداوة إلى محبة.

 

- وقد كان النبي ﷺ مثالًا يُحتذى في الصبر على الأذى، فقد كان يدعو لقومه وهم يعادونه، بل قال في أشد المواقف: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون».

 

ثالثًا: تجنب الجدال العقيم

 

- يقول النبي ﷺ: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا».

 

- واعلم بأنّ الجدال الذي لا يؤدي إلى نتيجة غالبًا ما يزيد الفرقة والعداوة، فلا تدخل في مجادلات لا طائل منها، بل ركّز على الحوار الهادئ والنقاش البنّاء إن كان هناك أمل في الإصلاح.

 

رابعًا: عامل المخالف بالإحسان

 

 

- الإحسان إلى المخالف قد يكون مفتاحًا لقلبه؛ فإن النفس البشرية تأسرها المعاملة الطيبة، وقد قيل: "أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم".

 

- وانظر كيف تعامل النبي ﷺ مع أهل مكة بعد الفتح رغم ما فعلوه به، فقال لهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».

 

- وكذلك كان الإمام الشافعي يقول: "ما ناظرتُ أحدًا إلا وتمنيت أن يظهر الحق على لسانه"، فهذه الروح النقية تفتح القلوب المغلقة.

 

خامسًا: ادعُ له بالهداية

 

- الدعاء سلاح عظيم في مثل هذه المواقف، وقد يكون قلب هذا المخالف بين يدي الله، فتضرع إلى الله أن يلين قلبه ويزيل عنه الغل والحسد.

 

- يقول النبي ﷺ: «ثلاثٌ لا يغلُّ عليهن قلبُ مسلمٍ: إخلاصُ العملِ لله، ومناصحةُ ولاةِ الأمرِ، ولُزومُ الجماعةِ».

 

سادسًا: إن استمرّ في الإيذاء، فخذ بالمشروع من الأسباب، وذلك عندما لم تُجْد كل هذه الأساليب، وبقي على حاله من الإيذاء، فيمكنك القيام بالآتي:

 

1. تجاهله إن كان الضرر محدودًا، فقد يكون الصمت هو أفضل رد.

 

2. إبعاده عن دوائر التأثير إن كان يحاول الإضرار بك في مجالك أو علاقاتك.

 

3. الاستعانة بالحكماء والعقلاء إن كان هناك من يستطيع التوسط للإصلاح.

 

4. الرد الحازم عند الحاجة، لكن دون ظلم أو تجاوز، بل بحكمة وعدل.

 

وفي الختام:

 

لا تنس -أخي الكريم- أنّ المؤمن كيّس فطن، لا يُستدرج للخصومات، ولا يشتغل بالمناوشات التي تضيّع وقته وجهده، بل يتعامل مع الناس بما يرضي الله، فإن اهتدى المخالف، فهذا فضل من الله، وإن أصرّ على العناد، فقد أديت ما عليك، واسترح قلبًا من التشاحن، وتذكر قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَٰغُ وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ﴾.

الرابط المختصر :