Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 34
  • رقم الاستشارة : 1859
07/05/2025

السلام عليكم، أنا سيدة في أوائل الخمسينات، والحمد لله حريصة على ديني وطاعتي من سنين. قبل فترة سمعت عن عبادة التفكر، وإنها من العبادات اللي ربنا أمر بيها في القرآن، وإنها تقوّي الإيمان وتقرّب العبد من ربه. تحمّست للفكرة وقلت أجرّبها، وصرت أتأمل في خلق الله: السماء، النجوم، البحر، جسد الإنسان... أشياء فعلاً تبيّن عظمة الخالق.

بس بصراحة ما حسّيت بالتأثير اللي كنت أتمناه، ما حسّيت إن يقيني زاد، كأني أتأمل بعقلي بس، بدون ما يلامس قلبي.

شلون أقدر أمارس التفكر بالطريقة الصحيحة؟

وكيف يكون فعلاً عبادة تخليني أحس بقرب ربي ويقوى إيماني؟

الإجابة 07/05/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكِ ومرحبًا أيتها الأخت الفاضلة، وأشكرك على تواصلكِ معنا، وثقتكِ بنا التي نعدُّها شرفًا ومسؤولية. وأسأل الله أن يزيدكِ نورًا ويقينًا، وأن يرزقكِ حلاوة القرب منه، ولذَّة مناجاته، وبعد...

 

ماهية التفكُّر ولماذا هو عبادة عظيمة:

 

التفكُّر عبادة قلبية، وهي من أعظم العبادات التي تربي الإيمان، وتزكي القلب لله، وتغرس في النفس الشعور بعظمة الخالق سبحانه. وهي عبادة دعا إليها القرآن في مواطن عدة، بل إنه مدح القلوب والعقول التي تتفكّر، وذمَّ الغافل منها عن ذلك.

 

قال الله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي ٱلْأَلْبَٰبِ * ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا سُبْحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾ [آل عمران: 190 و191].

 

وقال: ﴿كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلْآيَاتِ لِقَوْمٖ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [يونس: 24].

 

وقال: ﴿قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ وَمَا تُغْنِي ٱلْآيَاتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٖ لَّا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس: 101].

 

فالتفكُّر هو انتقال من النظرة العقلية إلى المشاعر القلبية، من الملاحظة إلى التعظيم والخشية والخضوع. إنه عبادة تربطكِ بالله من خلال كلِّ ما حولكِ.

 

لماذا لا تشعرين بأثر التفكُّر؟

 

سؤالكِ يلامس جوهر كل عبادة؛ لأن كثيرًا من الناس يصلُّون، ويقرؤون القرآن، ويتصدقون، ولكن لا يشعرون بثمرة العبادة، والسبب غالبًا يكون واحدًا، وهو أن العبادة أديناها بالجوارح أو بالعقل، ولم تصل بعدُ إلى القلب.

 

وفي عبادة التفكُّر خاصةً، قد يحصل أن ننظر إلى جمال الكون، والسماء، والنجوم، والبحر، ونعجب، ولكن دون أن نربط هذا الإعجاب بالله، أو دون أن نعيش حالة التوجُّه القلبي الكامل إليه.

 

فما تحتاجينه ليس فقط أن تنظري، بل أن «تتفاعلي»، وأن تُدخلي في لحظة التفكُّر ثلاثة عناصر: الذِّكر، والشكر، والخضوع.

 

كيف تمارسين التفكُّر بطريقة تحيي قلبك؟

 

1- ابدئي بالذِكر:

 

عندما تجلسين في مكان هادئ تنوين فيه التأمُّل، ابدئي بذكر الله بلسانك، مثلًا: «سبحانك ربي، ما أعظم خلقك»، أو «يا خالق كل شيء، علّمني كيف أراك في صنعك»، فالذِّكر يمهِّد الطريق للقلب.

 

2- اختاري شيئًا واحدًا للتفكُّر في كل مرة:

 

مثلًا: وردة، أو البحر، أو يد الإنسان. ركّزي على شيء واحد، وتأمّلي تفاصيله. اسألي نفسك: من صنع هذا؟ كيف جاءت ألوانه؟ من يدبِّر أمره كل لحظة؟ من أعطاه هذه الحكمة؟

 

3- استحضري قلبكِ بالدعاء:

 

قولي: «يا رب، أرني آياتك في هذا الخلق، اجعل قلبي يشهدك في كل شيء، لا تجعلني من الغافلين»، وتأمَّلي في قوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ﴾ [فصلت: 53]، فإنك إذا دعوتِ الله بإلحاح أن يريكِ آياته، ويُلين قلبك، استجاب لكِ.

 

4- اختمي بشعور التوحيد والخضوع:

 

بعد دقائق من التأمُّل، اختمي بهذا الدعاء الذي جاء على لسان المتفكرين في الآية: «ربنا ما خلقتَ هذا باطلًا، سبحانك، فقنا عذاب النار، ونجِّنا من الغفلة، وقوِّ إيماننا».

 

5- دوّني مشاعركِ:

 

بعد كل جلسة، اكتبي شعوركِ في دفتركِ. ماذا رأيتِ؟ ما الذي لمسته روحكِ؟ ما المعنى الذي خرجتِ به؟ وستجدين بعد وقت قصير أنكِ تغيّرتِ ظاهرًا وباطنًا.

 

التفكُّر ليس في الكون فقط:

 

كثيرون يظنُّون أن التفكُّر محصور في الكون ومكوناته، ومخلوقات الله؛ لكن التفكُّر يمكن أن يكون في:

 

- آية قرآنية تتأمَّلين كلماتها، ودلالاتها، ولِمَ اختار الله هذا اللفظ دون غيره من المترادفات؟

 

- حدث حصل لكِ، تتفكرين كيف دبَّره الله، ما الحكمة، ما الذي أرادكِ أن تتعلَّميه منه؟

 

- في نفسكِ، جسدك، قلبك، دمعتك، شعورك... كل ذلك يدعوك للتفكُّر. وقد قال تعالى: ﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات: 21].

 

وختامًا -أختي الطيبة- تذكّري دائمًا أن الله أكرم من أن يخيِّب من قصد بابه، وأن كلَّ شعور بالضعف، أو الحيرة، هو خطوة نحو رضا الله ونعيمه. فلا تظني أنكِ لم تُؤجري على تفكُّرك السابق، بل إنكِ في مدرسة القلب، والله يُعلِّمك، ويهيِّئكِ للأنس به.

 

وثقي أن التفكُّر إذا ما استُصحب بالذكر والخشية والدعاء، فسينقلكِ من نظرة العقل إلى وجْدِ القلب، ومن الإعجاب بالخَلق إلى الحبِّ للخالق.

 

أسأل الله أن يفتح عليكِ أبواب الفهم، وأن يجعلكِ من الذين يتفكَّرون، ويخشون، ويُوقِنون، وأن يسكنكِ منازل المحبوبين.

الرابط المختصر :