Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 104
  • رقم الاستشارة : 1596
12/04/2025

أنا شاب بعيش بين مدينتين، نص الأسبوع في مدينة شغلي، والنص التاني عند أهلي. صار لي فترة بحاول أرجع لنفسي، ألتزم بصلاتي وأقرب من ربي، بس في شي بقلِّب قلبي كتير. أوقات بحس إني عايش حياتين! يعني في مدينة الشغل، فيه جو مختلف: زملاء، صحبة، ضغوط، وسهولة المعصية، بحاول أقاوم، بس بضعف. وبرجع لعند أهلي، وكأني شخص تاني تمامًا، المحافظ، الهادئ، اللي بيحاول يكون ابن صالح.

المشكلة إنه هالتنقل بين البيئتين عم يعمللي توتر نفسي وروحي. بحس إني منافق، أو على الأقل مش صادق مع نفسي ولا مع ربي. وبصراحة، صرت أخاف إنه كل التزامي يكون مجرد دور بلبسه وقت اللزوم.

سؤالي: هل طبيعي إنه الإنسان يعيش هالتقلبات بين بيئة وبيئة؟

الإجابة 12/04/2025

مرحبًا أخي الفاضل، وشكرًا لك على مراسلتنا، وأسأل الله تعالى أن يرزقك التوفيق والسداد في كل خطوة تخطوها في حياتك، وأن يملأ قلبك بالسكينة والطمأنينة، وأن يمنحك الثبات على دينه وحسن العاقبة، وبعد...

 

فإني أدرك تمامًا ما تمر به من مشاعر وأحاسيس متضاربة بين بيئتين مختلفتين، وأقدر تمامًا قلقك بشأن صدق التزامك وإيمانك. فدعني أبدأ بالقول: إن ما تمر به هو اختبار عظيم، تحتاج أن تواجهه بحكمة وصدق مع النفس ومع الله.

 

هل التقلبات بين البيئتين طبيعية؟

 

عندما نعيش بين بيئتين مختلفتين (بيئة العمل التي قد تكون مليئة بالضغوطات المادية والاجتماعية، وبيئة البيت التي تكون أكثر استقرارًا من الناحية الدينية والروحية) فإننا نمر بتجارب مختلفة تؤثر على مشاعرنا وسلوكنا. هذه التقلبات ليست غريبة، بل هي من طبيعة الحياة البشرية. ففي الحديث الشريف عن النبي ﷺ قال: «إنَّ لكلِّ عملٍ شِرَّةٌ ولكلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فمن كانت شِرَّتُه إلى سنَّتي فقد أفلح، ومن كانت فَتْرَتُه إلى غيرِ ذلك فقد هلكَ» [رواه أحمد].

 

والأمر هنا يتعلق بتأثير البيئة المحيطة على الشخص. ففي بعض الأحيان، يتأثر المؤمن بالصحبة والمحيط الذي يعيشه. وإنك في بيئة ما قد تجد نفسك مجبرًا على التعامل مع ظروف الحياة اليومية وضغوطها، وقد تدفعك بعض هذه الظروف والضغوط في بعض الأحيان للضعف والتنازل مما يوقعك في المخالفات الشرعية، وهذه التقلبات والمخالفات لا تعني أنك «منافق»، ما دمت لا تفعلها عن عقيدة وعزم، بل تفعل المخالفة كارهًا مكرهًا. وكل مخالفة تُقدَّر بقدرها، وعليك التوبة منها، وحسابك على الله، إن شاء حاسبك وعاقبك، وإن شاء غفر لك.

 

إلا أن في الأمر إشارة إلى أهمية مراجعة نياتك دائمًا، والعمل على تصحيحها. وأنك لا بد أن تعيش بوجه واحد في كل بيئة تخالطها، وأن تظل صادقًا مع نفسك ومع الله تعالى.

 

ما الذي يساعدك على الثبات؟

 

1- إخلاص النية لله: فالنية الصافية الخالصة لله هي المفتاح. قال رسول الله ﷺ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» [رواه البخاري]. فإذا كانت نيتك صافية في عبادتك، فسيثبتك الله على الطاعة.

 

2- الاجتهاد المستمر: فالتغيير لا يحدث بين ليلة وضحاها، ومجاهدة النفس في هذا الأمر من أجَلِّ الأعمال، يقول عز وجل: ﴿والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وإنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69].

 

3- المبادئ لا الظروف: فإن الإيمان والطاعة ليسا محكومين بالظروف، بل بالمبادئ. والمؤمن الحقيقي يتفاعل مع بيئته فيؤثر فيها بالخير، ولا يتأثر بالشر، بل يحافظ على طاعته في أي ظرف كان.

 

4- لزوم الصحبة الصالحة: فالصحبة تعينك على الثبات، والدوام على الطاعات، وتضع حاجزًا بينك وبين المعاصي، قال تعالى: ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28].

أخي الكريم، لا تدع هذه التقلبات بين بيئتين تُشعِرك بالقلق أو الإحباط. كل إنسان مرَّ بتجارب مشابهة؛ لكن الثبات على الدين لا يتطلب منك إلا الصدق مع الله والنية الطيبة، والعزم على الاستمرار والدوام على الطاعة، تحت أي ظرف وفي كل مكان وكل وقت.

 

أسأل الله أن يثبتك ويهدينا جميعًا إلى سُبل الرشاد.

الرابط المختصر :