الإستشارة - المستشار : أ. مصطفى عاشور
- القسم : فكرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
78 - رقم الاستشارة : 1682
19/04/2025
لماذا يلجأ بعض المرضى إلى الخرافات من أجل تحصيل الشفاء، حيث لاحظت أن هذا الأمر يعم غالبية البشر؟ وما هي الأفكار التي تساهم في انتشار الخرافة في مجتمع ما؟
الخرافة تظهر مع ضعف العقل، وتراجع الإيمان الصحيح، وتحكّم التقاليد البالية، واليأس من الأسباب، عندها تُظهر الخرافة ما لديها من أوهام.
في العام 1935م، كتب الدكتور إبراهيم مدكور، المختص في الفلسفة، على صفحات مجلة "الرسالة" العريقة، عن الخرافة فوصفها بأنها: "الخرافة حليفة الجهل، وأليفة الأوهام، عنوان ناقصي الثقافة، ورمز ذوي العقول الضعيفة؛ كالحشرات الدنيئة، لا يحلو لها العيش إلا في الأماكن المظلمة، أو كالحشائش الضارة، لا يعظم نموها إلا في التربة الفاسدة؛ تقف في طريق الحق، وتقاوم كل تفكير. وكأنها ذات قوة سحرية تغشى الأبصار، وتصم الآذان، وتقضي على كل ما في المرء من عقل وروية؛ أو كأنها مظهر لوحي خفي يستولي على النفوس والأفئدة"، وفي نهاية مقالة تساءل: هل الخرافة في سبيل الانقراض؟ وهل تأمل الإنسانية أن تتخلص منها بتاتًا؟
ورغم مضي قرابة التسعين عامًا على تلك الأمنية المتخفية وراء السؤال، فإن الخرافة لا تزال حاضرة بقوة في المجتمعات على اختلاف تنوعها، ودرجاتها من التحضر، وكذلك طريقة حضور الدين في تلك المجتمعات، والخرافة تزداد سطوتها عند البعض في حالة المرض، وتزداد مع وجود يأس من الأسباب في الشفاء.
تُعرف الخرافة بأنها: "الاعتقاد أو الفكرة القائمة على مجرد تخيلات دون وجود سبب عقلي أو منطقي مبني على العلم والمعرفة. ترتبط الخرافات بفلكلور الشعوب؛ إذ عادة ما تمثل إرثًا تاريخيًّا تتناقله الأجيال، وهو معتقد لا عقلاني أو ممارسة لا عقلانية، والخرافات قد تكون دينية، وقد تكون ثقافية أو اجتماعية".
الخرافات منتشرة في كفة المجتمعات، ولها أشياعها والمؤمنون بها حتى النخاع، تشير استطلاعات رأي إلى أن ربع الأمريكيين يؤمنون بالخرافة، لكن الأكثر إدهاشًا في هذا الاستطلاع بأن الشباب أكثر اعتقادًا في الخرافة من كبار السن.
يرى علماء النفس أن الإيمان بالخرافة قد يقلل التوتر والقلق عند المؤمنين بها، خاصة وقت الأزمات المختلفة، سواء الصحية أم الاقتصادية، وأن الإيمان بالخرافة يقود إلى قرارات غير عقلانية، فتجد الكثير من المرضى يحملون التمائم والتعاويذ، أو يلجؤون إلى السحر والشعوذة، أو الاعتماد على حيوانات معينة وذات ألون محددة.
في كتاب خبير الخرافات "ستيوارت فايس" بعنوان "الإيمان بالسحر: علم نفس الخرافات" يذكر أن معظم الخرافات تتطور في سن مبكرة، ومع تقدمنا في السن، تميل هذه الخرافات إلى الرسوخ، وينبه "فايس" أن الخرافات نتيجة طبيعية لعمليات نفسية؛ فالبعض يعاني من عدم اليقين، ويحتاج إلى ما يهدأ به قلقه وتوتره لذا يلجأ للخرافة، والبعض الآخر يلجأ للخرافة كبديل عن اليأس خاصة مع نفاذ الصبر وتراجع الإيمان، فيلجأ إلى قوة خارج نطاق الأسباب الظاهرة لتحقق له ما يريد من الشفاء، أو بمعنى أكثر وضوحًا فإن الخرافة -حسب ظن هذا الشخص- توفر له قوة غير محدودة، لمواجهة آلامه الكبيرة وغير المحدودة.
أما تحليل النفسي لهذا اللجوء غير العقلاني للخرافة فيشرحه البروفيسور"جيروم جروبمان " في كتابه " تشريح الأمل" بأن "التغير في طريقة التفكير لديه القدرة على تغيير الكيمياء العصبية، ويمكن للإيمان والتوقع -العناصر الأساسية للأمل- منع الألم عن طريق إطلاق هرمونات في الدماغ، لمحاكاة تأثيرات المورفين، وهو مادة مُسكنة للألم"، وغالبًا ما يكون هذا الأمل زائفًا، لكنه قد يلعب دورًا في شفاء بعض الناس، لكن الحقيقة أن الأمل ما هو إلا زيف ووميض خاطف سريع الزوال والذبول.
أما موقف الإسلام فكان واضحًا في مقاومة الخرافة بكافة صورها وشخوصها ومقولاتها وتجلياتها في المجتمع والنفس، فحارب السحر والشعوذة والتمائم والتعاويذ، وجعل سبيل الشفاء هو التوكل على الله تعالى ودعاؤه، ثم الأخذ بأسباب الشفاء من علاج وطب لدى المختصين، ورسّخ الجانب الاعتقادي في النفس في مقاومة الخرافة، ومنح الإنسان المؤمن أمرين مهمين:
أولهما التماس أسباب الشفاء المادية في حالة وجودها والقدرة عليها.
وثانيهما: الصبر والاستسلام لقدر الله تعالى في الصحة والمرض وفي حال شدة المرض وقسوته وعدم قدرة الأسباب المادية على إنجاز الشفاء، وبث الإسلام في يقين المؤمن أن مرضه وألمه له به أجر عظيم عند الله تعالى.
ولعل هذا ما يُسكن التوتر والقلق، ويكافح اللايقين في النفس، ويفتح أمام المريض رجاء في ثواب الله تعالى.