Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : فكرية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 54
  • رقم الاستشارة : 1754
26/04/2025

سمعت عن الاستشراق الإسرائيلي واهتمامه بالقرآن.. فما حقيقة هذا الكلام؟

الإجابة 26/04/2025

الصراع الدائر على أرض فلسطين منذ السابع من أكتوبر الماضي، له أبعاد متعددة، بعضها ظاهر في ميدان المواجهة المسلحة، وبعضها الآخر قابع في المراكز البحثية وعلى صفحات الكتب والدراسات.

 

أما ما يتعلق بسؤالكم عن علاقة الاستشراق الإسرائيلي بالقرآن الكريم، فنؤكد في البداية أن هذا الاستشراق نشأ في ظل المشروع والدولة الصهيونية، ولذا فإن أهدافه متوافقة مع ذلك المشروع، وبالتالي يقدم خدماته للسياسة الصهيونية، حتى وإن كان نشاطه في رحاب الجامعة والمعاهد البحثية.

 

المشروع الصهيوني يرتكز على فكرة دينية، وهي أن لليهود حقًّا تاريخيًّا في فلسطين، وأن هذا الحق يعطيهم الشرعية في استعادة الأرض الفلسطينية لحوزتهم والاستيطان فيها، وتطهيرها من البشر غير اليهود القاطنين عليها، وتأسيسًا على تلك الرؤية الدينية التوراتية سعت الصهيونية للتشكيك في الحق العربي والإسلامي في فلسطين.

 

ومن ثم جاء الاستشراق الإسرائيلي واليهودي، ليتناغم مع الأهداف السياسية الصهيونية، وليستعيد غايات وأهداف الاستشراق الغربي التقليدية المشككة في القرآن والسنة النبوية والتاريخ الإسلامي.

 

ومن أبرز المستشرقين الإسرائيليين المتخصصين في القرآن الكريم، البروفيسور "أوري روبين" الأستاذ في الجامعة العبرية والمتخصص في الدراسات القرآنية، والذي أصدر ترجمة لمعاني القرآن الكريم عام 2005م ثم أعيد طبعها عام 2016، وادعى استقاء القرآن من مصادر يهودية على الأعم الأغلب؛ ورد قصص القرآن إلى قصص يهودية؛ كقصة آدم (عليه السلام) وزوجه، وقصة إبراهيم، كما رد عقائد القرآن وتشريعاته وألفاظه إلى مصادر يهودية؛ كالقضاء والقدر، وتحريم أكل الدم، مع إشارته إلى أخذ القرآن من النصرانية والوثنية على مستوى القصص والتشريع والألفاظ؛ كما في قصة مريم والخضر، وكما في تشريع الزكاة.

 

وقد سبقه "مائير يعقوب كيستر" رائد المستشرقين الإسرائيليين، والملقب بـ"أبو الاتجاهات الاستشراقية" والحاصل على الدكتوراة عام 1964م، في العصر الجاهلي، وفيما يتعلق بالقرآن فالرجل تأثر بدراسته للعصر الجاهلي، وسعى إلى رد القرآن إلى مصادر يهودية ووثنية، وتناثرت هذه الفرضية في كتبه، ومنها كتاب "دراسات في الجاهلية والإسلام" و"المساجد المقدسة الثلاثة في الإسلام"، ورد فيهما عددًا من الشعائر الإسلامية الواردة في القرآن الكريم، وعلى رأسها "الحج" إلى مصادر وثنية كانت سائدة قبل الإسلام.

 

أما ما يتعلق بموقف القرآن من اليهود، فقد ناقشه "كيستر" في كتابه "أبحاث في تكون الإسلام"، ودراسته حول "يهود بني قريظة"، فأشار إلى أن القرآن اتخذ موقفًا عدائيًّا من أهل الكتاب، ومن اليهود على وجه الخصوص.

 

وهو قول ينفيه بعض المستشرقين اليهود أنفسهم، ومنهم المؤرخ اليهودي الروسي "شمعون دوفنوف" في مؤلفه حول يهود العصور الوسطى، حيث أكد أن حرب النبي ﷺ مع اليهود جاءت بعد نقضهم العهد معه، وطمعهم في التحالف مع العرب الوثنيين، كما أن النبي ﷺ لم يشن هذه الحرب على كل قبائل اليهود، ولكن اختص من نقض العهد فقط.

 

يذكر الدكتور "أحمد البهنسي" المتخصص في الدراسات العبرية، أن "كتاب المستشرق اليهودي الألماني "أبراهام جايجر" بعنوان "ماذا اقتبس محمد من اليهودية؟" أول كتاب استشراقي يهودي في العصر الحديث يبحث المطابقة بين القصص القرآني وقصص العهد القديم، وقد أثَّر هذا الكتاب بشكل بالغ في معظم الكتابات الاستشراقية اليهودية، ومن ثَمّ الاستشراقية الإسرائيلية التي أعقبته والتي بحثَت التشابه بين الإسلام واليهودية من جانب وبين الإسلام والنصرانية من جانب آخر.

 

ثم قام المستشرق اليهودي الألماني هاينريش شباير بتقديم عمل مؤلف جامع يتناول قصص الكتاب المقدس في القرآن الكريم حمل عنوان: (القصص التوراتية في القرآن)، وكذلك المستشرق اليهودي الأمريكي "أبراهام كاتش" في كتابه "اليهودية في الإسلام".

 

فكل هذه المؤلفات السابقة أثَّرت على الأعمال الاستشراقية الإسرائيلية حول القرآن الكريم لا سيما المتعلقة بالقصص؛ إِذ كررت هي الأخرى نفس فرضية اقتباس القرآن لهذه القصص، خاصة لقصص ما يعرف في الديانة اليهودية بــ(الآباء أو البطاركة) مثل: آدم، وإبراهيم، ويوسف، ويعقوب.

 

وهي الشخصيات المؤسسة أو الكبرى في الفكر الديني اليهودي، وأطلقت عليهم لفظ (الأنبياء المشتركين) أي: المشتركين بين اليهودية والإسلام.

 

ورغم ذلك نجد مقولات متفرقة من الإنصاف تسللت إلى بعض ما كتبه المستشرق الإسرائيلي "أوري روبين"، فنجده منبهرًا بلغة القرآن، وأسلوبه الفريد، وقال في مقدمة ترجمته العبرية للقرآن بأن القرآن "يعد عملاً متجانسًا من ناحية البناء الأدبي، يحظى بأسلوب نثري عربي إيقاعي لا مثيل له في أي نص عربي آخر معروف لدينا".

 

 

يمكن الاستزادة حول الاستشارة من المراجع الآتية:

 

* إبراهيم عبد الكريم - الاستشراق وأبحاث الصراع لدى إسرائيل - دار الجيل - بيروت - 1993م، وهو كتاب ضخم يقع في 598 صفحة.

 

* محمد خليفة حسن - تاريخ الترجمات العبرية الحديثة لمعاني القرآن الكريم: دراسة نقدية - بحث من (43) صفحة منشور على شبكة الإنترنت.

 

* أحمد البهنسي - الترجمات العبرية لمعاني القرآن الكريم - التاريخ، والأهداف، والإشكاليات - بحث من (50) صفحة منشور على الإنترنت.

الرابط المختصر :