الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : الأطفال
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
51 - رقم الاستشارة : 2948
12/10/2025
السلام عليكم. أحتاج مشورتكم كـمستشارة تربوية نفسية — ابني عمره ٩ سنوات (في الصف الرابع الابتدائي) وأريد أن أشرح لك التفاصيل لأنى قلقة وأحتاج توجيهًا عمليًا وحكيمًا.
فمنذ صغره وهو أشول ويستخدم يده اليسرى في الأكل، الإمساك بالقلم، التلويح، والألعاب. واضح أنه أيسر بطبعه.
في المدرسة لاحظت أن خطه بطيء ويميل الكتابة بحيث يمسح ما كتبه (يتلوّث الحبر) خاصة عند كتابة اللغة العربية، وبسبب ذلك يحصل على ملاحظات من المعلمة عن بطء الإنجاز.
المعلمة وبعض الأقارب يحاولون أحيانًا تشجيعه أو الضغط عليه ليستخدم اليد اليمنى لأن "اليمين أفضل"؛ هو يرفض بقليل من التوتر أو يبدل يمينًا لفترة قصيرة ثم يعود لليسرى. هذا الموقف أزعجه وأصبح أحيانًا يتراجع عن المشاركة في الأنشطة اليدوية خوفًا من التعليقات.
لاحظت أيضًا أنه يجد صعوبة طفيفة في استخدام المقص والقص بخط مستقيم، وفي بعض الألعاب التي تتطلب تنسيقًا دقيقًا بين اليدين. لكن لا توجد تأخيرات واضحة في الكلام أو احتكاكات انفعالية كبيرة.
سلوكياته العامة طبيعية: يلعب مع زملائه، لكن عندما يضحكون على طريقة إمساكه للأدوات يتأثر عزمه ويصبح خجولًا مؤقتًا.
أنا محتارة: هل هذا أمر طبيعي أم علامة لمشكلة تطورية/حركية؟ وهل يجب أن أجبره على الكتابة باليمين حتى يتقبله المجتمع؟ وهل أستشير طبيبًا أم أتابع مع أخصائية تقويم حركي فقط؟ وكيف أخاطب المعلمة والأهل بطريقة تحمي ثقة الطفل بدلًا من أن تجرحها؟
لأننى أشعر بالقلق لأني لا أريد أن أقلل من قدراته بإقناعه بفعلٍ لا يشعر بالراحة معه، وفي نفس الوقت لا أريد أن يؤثر هذا على تحصيله الدراسي أو شعوره بالاندماج. شكرًا لك.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أحييكِ أختي على وعيكِ العالي وحرصكِ على راحة ابنكِ النفسية والنمائية، فقلّما تنتبه الأمهات لتفاصيل دقيقة كهذه. ما لاحظتِه من استخدام ابنكِ ليده اليسرى هو ما يُعرف في علم النفس التربوي باسم (Left-handedness) أو الأعسرية الفطرية (وتعني استخدام الشخص ليده اليسري والاعتماد عليها بدلا من يده اليمنى)، وهي ليست اضطرابًا أو خللًا، بل نمطًا عصبيًّا طبيعيًّا ناتجًا عن سيطرة النصف الأيمن من الدماغ على العمليات الحركية الدقيقة.
إشارة علمية
وأبشرك غاليتي بإشارة علمية، حيث تشير الأبحاث الحديثة إلى أن ما بين 10% إلى 13% من البشر يولدون بهذه السمة، ومن بينهم عباقرة كبار مثل ليوناردو دافنشي وآينشتاين.
التكوين العصبي
أولاً: من الجانب العلمي التربوي استخدام الطفل ليده اليسرى لا علاقة له بالأدب أو الدين، ولا يدل على ضعف مهاري أو اضطراب نمائي. بل هو اختلاف فطري في التكوين العصبي، وتلعب الجينات الوراثية فيه الدور الأكبر.
فإجباره على استخدام اليد اليمنى يُحدث ما يسمى في بـ Cognitive Dissonance أي التنافر المعرفي، وهو صراع داخلي بين ما يشعر به الطفل طبيعيًّا وبين ما يُطلب منه قسرًا، وقد يؤدي ذلك إلى توتر نفسي، وتشتت تركيزي، بل وحتى صعوبات في القراءة والكتابة لاحقًا نتيجة اضطراب التنسيق بين الدماغ والعضلات.
بيئة تعليمية داعمة
ثانيًا: من الجانب التربوي والمهاري.. بدلًا من تغيير يده، نحتاج إلى تهيئة بيئة تعليمية داعمة Supportive Learning Environment تراعي وضعه الطبيعي مثل:
1- وضعية الجلوس: يجب أن يكون الدفتر مائلًا نحو اليمين قليلًا، مع إبعاد الذراع عن الجسم لتجنّب تلويث الكتابة.
2- الإضاءة: تأتِي من الجانب الأيمن لتجنّب الظل على الورقة.
3- الأدوات: استخدمي أدوات مخصصة للأعسر مثل المقص أو الأقلام ذات القبضة المطاطية، فهي تساعد على راحة العضلات الدقيقة.
4- التمارين المنزلية: يمكن تعزيز التنسيق الحركي البصري Hand-Eye Coordination عبر أنشطة ممتعة كالرسم، اللعب بالطين، أو خياطة بسيطة.
5- المدرسة: تحدثي مع المعلمة بلطف لتشرح للأطفال أن الستخدام اليد اليسرى ليست عيبًا بل تنوعًا إنسانيًا، فذلك يعزز Social Inclusion الاندماج الاجتماعي ويحمي الطفل من التنمر الخفي.
ثقة الطفل بنفسه
ثالثًا: من الجانب النفسي الأسري.. ثقة الطفل بنفسه هي الأساس. احرصي على أن ترددي أمامه عبارات دعم مثل: «يدك اليسرى جميلة ومميزة، خلقها الله لك لتبدع بها»، فالكلمة الطيبة تُرسّخ في النفس ما يُسمى بـ Positive Self-Conceptأي الصورة الذاتية الإيجابية.
وإذا تعرض لسخرية، علمّيه الرد بثقة وهدوء، كأن يقول: «أنا أستخدم يدي التي أرتاح بها، كل منا مختلف». فذلك يُنمّي مهارة القدرة على التعبير عن الذات دون عدوانية.
وعليك أن تعي حبيبتي أن ديننا الحنيف لا يُحمّل الإنسان ما لا طاقة له به، قال الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾. والنبي ﷺ كان يأكل بيمينه، لكن ذلك لا يعني إجبار من لا يستطيع، بل التوجيه بالحكمة، خاصة في العبادات التي لا يقدر عليها الإنسان بغير عادته. فالله سبحانه خلق كل إنسان بتركيب خاصٍّ له في الدماغ والجسد.
ويتبقى سؤالك: متى نحتاج إلى تقييم طبي؟
- يُمكنك أنت وغيرك من الأمهات مراجعة أخصائي العلاج الوظيفي Occupational Therapist فقط إذا لاحظتِ الآتي:
- صعوبة شديدة في الإمساك بالأدوات أو تنسيق الحركات.
- ضعفًا عامًّا في العضلات الدقيقة أو تأخرًا في الأداء الأكاديمي.
لكن اطمئني ما وصفته لي هنا لا يشير إلى اضطراب، بل إلى حاجة لتوجيه بسيط وتقبل مجتمعي.
* همسة أخيرة:
ابنكِ ليس بحاجة لتصحيح، بل لتفهم واحتضان. فهو ليس "أشول" بمعنى النقص، بل طفل أعسر متميز بقدراته العصبية الفريدة. دعميه، وثقي أن اتزانك النفسي في التعامل معه سيصنع منه شابًا واثقًا بنفسه لا يخجل من اختلافه، بل يجعله مصدر تفوق وتميّز. فكوني له السند الذي يرى فيه الكمال في اختلافه، فكل تفرّدٍ هو باب من أبواب الإبداع.