كيف أُصبح أُمًّا محبوبة لابنة زوجي؟!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : الأطفال
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 191
  • رقم الاستشارة : 2209
27/07/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

عمري 28 سنة، لم يكن سبق لي الزواج من قبل، ومنذ عدة أشهر تزوجت من رجل أرمل يكبرني بثماني سنوات، وهو أب لطفلة عمرها الآن 5 سنوات.

قبل الزواج كنت أعلم أنني لا أتزوج زوجًا فقط، بل أتحمل مسؤولية عظيمة لطفلة فقدت حضن أمها وهي لا تزال صغيرة. وافقت وأنا مستشعرة هذا الحمل، بل وأعددت نفسي نفسيًّا وروحيًّا لتقبّله، بل تمنيت أن أكون لها سكنًا وعوضًا ورحمة.

بعد الزواج، انتقلنا للعيش جميعًا، وأنا أتعامل معها برفق ولين، أشاركها اللعب، أشتري لها الهدايا، وأهتم بها كثيرًا، بل وأحاول أن لا أفرض نفسي عليها بقوة حتى لا تنفر مني... ولكنني أشعر أنها لا تزال تناديني باسمي فقط، وتنظر إليّ بنظرة "أنت لست أمي"، وأحيانًا تشتاق لصور والدتها وتبكي.. ولا تلجأ إليّ في الحزن أو المرض..

أنا لا أغار من أمها رحمها الله، وأدعو لها دائمًا، ولكني أتمنى أن تكبر هذه الصغيرة وتحبني من قلبها، لا لأنني زوجة أبيها، بل كأمٍّ بديلة ترعاها بحب وحنان وخوف من الله.

فكيف أكسب قلبها؟ كيف أجعلها مع الوقت تناديني "ماما" بإرادتها؟ كيف أكون لها أما صادقة تحبها، دون أن أشعرها أنني أُجبرها على شيء؟

أرجو من حضرتكم أن ترشدوني، فأنا أريد أن أربيها بما يرضي الله، لا أريد إلا أن يحبني الله من خلالها.

الإجابة 27/07/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا ابنتي الحبيبة..

 

بدايةً، أشكرك من أعماق قلبي على هذه الروح الرحيمة النقية، وهذه النية الصادقة في طلب رضا الله من خلال أداء رسالة الأمومة، ولو لم تكوني الأم البيولوجية (Biological Mother). فليس كل من أنجبت أُمًّا، وليس كل من رعت زوجةَ أب؛ بل هناك من تصنع الأمومة بصبرها ومودتها وتُكتَب في ميزانها في الأرض والسماء.

 

أعلم يقينًا أن مهمتك ليست سهلة، ولكنّها ممكنة، بل ومباركة بإذن الله تعالى، خاصة حين يصحبها الصدق والإخلاص والنية الخالصة لله.

 

يا عزيزتي، طفلتك الصغيرة تعيش حالة وجدانية معقدة يطلق عليها في علم النفس التربوي "Dual Attachment Conflict"، أي صراع التعلق بين الحاضر والماضي؛ فهي تتأرجح بين حنينها لأمها الراحلة، ومحاولاتها لفهم موقعك الجديد في حياتها، وهي لا تزال صغيرة لا تملك الأدوات اللفظية أو الشعورية الكاملة للتعبير أو التقبل بسهولة.

 

✦ لذا سوف أقدّم لك خطة تربوية عملية، لتكسبي قلبها بالتدريج إن شاء الله:

 

١- ابدئي بالاحتواء قبل الحب..

 

فلا تطلبي منها أن تحبك كأم، بل ازرعي الأمان أولاً.

 

الطفلة لا تحب من أول لقاء، لكنها تنجذب إلى "الأمان الهادئ" الذي يشعرها أن هذا الشخص لن يُؤذيها أو يُزاحم حزنها.

 

يقول الله تعالى: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾، والآية تؤصّل لفكرة أن القلوب لا تنجذب إلا باللين والرحمة.

 

٢- اسمحي للحزن بالوجود..

 

نعم، فلا تنهَيْها عن البكاء على أمها أو الحديث عنها، بل شاركيها هذا الحزن بتعاطف صادق. قولي لها: "ماما في الجنة، وأنا هنا أحبك وسأرعاك مثلما كانت تفعل".. كلما اشتقتِ لها أخبريني، سنقرأ لها الفاتحة معًا"... وهكذا.

 

هذا يُشعرها أنك لا تُزاحمين مكان أمها بل تحتضنينها. حيث يُسمّى هذا في علم النفس Validation of Emotional Attachment، أي احترام الارتباط العاطفي دون تهديده.

 

٣- كوني لها "صديقة الحنان" قبل أن تطلبي لقب "ماما"..

 

لا تطلبي منها أن تناديك "ماما"، ولا تظهري الحزن إن لم تفعل. فقط كوني قريبة، ثابتة، رقيقة، ودائمة الحضور في لحظات الراحة والفرح والمرض.. انزلي لمستوى تفكيرها وكأنك من عمرها.

 

مع الوقت، سيتكون في عقلها ما يُسمى Secure Emotional Base، أي قاعدة أمان عاطفي، تجعلها تلجأ إليك لا إراديًّا وتستقر بجوارك.

 

٤- اقتحمي عالمها الصغير دون أن تُشعريها أنك تتملكينه أو تسيطري عليه..

 

شاركيها اللعب، الغناء، القصص، الرسم، الحكايات عن أمها، ثم أدخلي تدريجيًّا رسائل تربوية ودينية بلغة مرحة.

 

 قال رسول الله ﷺ: "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله".. وأنت الآن في مقام القدوة والراعية، والرفق هو طريق التأثير الأعمق.

 

٥- ومن المهم أن تكتسبي ثقة الأب أولًا ثم الطفلة..

 

فالعلاقة بينك وبين زوجك هي مرآة غير مباشرة لما تراه الطفلة. إن رأت والدها مطمئنًا ومحبًّا لك، استشعرت أنك مصدر راحة وليس تهديدًا.

 

حاولي أن تجعليه دائم الثناء عليك أمامها بكلمات، مثل: "فلانة بتحبك جدًا"، "بتفكر دايمًا تفرحك"، "كانت بتدعي لمامتك بالرحمة".. فالأب هنا يعمل كـجسر للارتباط بينكما.

 

٦- بقلبك الجميل الطيب، استمري في دعائك النقي..

 

ادعي الله دائمًا بهذا الدعاء: "اللهم اجعلني لها أُمًّا بالرحمة لا بالولادة، وارزقني حبها، كما رزقتني بها دون سعي ولا حول ولا قوة مني"؛ فالله تعالى، هو الذي يؤلف بين القلوب، ويُبدل الوحشة مودة.

 

* همسة أخيرة:

 

يا حبيبتي، اعلمي أن الأمومة ليست مهمة بسيطة، بل رحلة مستمرة تتشكل من مواقف صغيرة.. ولا تحزني إن تأخّر النداء بكلمة "ماما"، فقد تأتي بعد شهور أو سنوات، ولكن حين تأتي، ستكون نابعة من قلبها وملء وجدانها.

 

وكل خطوة حنونة تقومين بها، حتى وإن لم تُقابل بحب مباشر، فهي تسجل في ميزان حسناتك، ويكفيك قول النبي ﷺ: "الراحمون يرحمهم الرحمن"، وأنت نيتك من البداية معها الرحمة.. فاثبتي، واحتسبي، وازرعي، وثقي أن الله لن يضيعك ولن يضيع جهدك المبذول.

الرابط المختصر :