Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : الابتلاءات والمصائب
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 79
  • رقم الاستشارة : 1945
15/05/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لو تكرمت يا شيخ، عندي سؤال شاغل بالي: أنا دايم أحب الخير للناس، وكلامي ودعائي لهم من نية طيبة ومحبة صادقة.

صارت حادثة إن وحدة من قريباتي تعبت بعد موقف بسيط بيننا، وبدأ البعض يلمّح إن السبب عيني أو كلامي، وإن دعائي ما نفع، رغم إني ما قصدت إلا الخير.

سؤالي: هل يجوز اتهام شخص إنه أصاب غيره بالعين بدون دليل، حتى لو كان الكلام طيب والدعاء من قلب؟

ليه الناس صارت تخاف من "العين" أكثر من خوفها من الله؟

وليه ما نبحث بالأسباب الطبية أو النفسية قبل ما نتهم الناس؟

وكيف أتعامل مع اللي يظن فيني الظن السيئ ويحمّلني ما لا أقصد؟

الله يجزاكم خير ويوسع صدوركم للجواب.

الإجابة 15/05/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ومرحبًا بك أيها السائل الكريم، وأشكرك جزيل الشكر على تواصلك معنا، ونثمِّن ثقتك الغالية التي أوليتنا إياها، ونسأل الله -تعالى- أن يشرح صدرك، ويُذهِب عنك كل همٍّ وغم، وأن يُبدلك سكينة وطمأنينة ورضا، وأن يُحبِّب الناس فيك كما أحببت لهم الخير، وبعد...

 

فما أقسى أن يُساء الظنّ بمن نوى الخير! وما أشدّ وقْع التهمة حين تأتي من قريب! وإنك والله ومَن مثلك لا يُساء به الظن؛ لأن ما وصفت من حبك للخير، وصدق نيتك، ونقاء قلبك، ودعائك بصفاء لغيرك، هي من دلائل الإيمان، وعلامات صفاء النفس، وصدق المحبة، فهنيئًا لك بما تحمله من هذا الخير، وإن جهل به الناس.

 

واعلم يا أخي أن الله -عز وجل- لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، يعلم سرَّك ونجواك، ويعلم طيب نيتك وإن أنكروها، ويجزيك عليها ولو كتمها الناس.

 

هل يجوز اتهام شخص بالإصابة بالعين من غير دليل؟

 

الجواب: لا يجوز شرعًا ولا أدبًا، بل هو من التعدي والظلم، ومن الظنون المحرَّمة. قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ [الحجرات: 12]. فكيف إذا اقترن هذا الظن باتهام يلوِّث سمعة أخٍ مؤمن، ويُشوِّه صورته في النفوس دون بيِّنة؟ وقد قال النبي ﷺ: «إيّاكم والظنَّ، فإنَّ الظنَّ أكذبُ الحديث» [متفق عليه].

 

إذن فاتِّهام أحد بأنه أصاب غيره بالعين دون دليل صريح يدخل في دائرة البهتان، والبهتان من الكبائر، قال ﷺ: «أتدرون ما الغِيبة؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «ذكرك أخاك بما يكره» قيل: أفرأيتَ إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه» [رواه مسلم]. فإذا لم يكن في المتَّهَم شيء، وكان بريئًا نقيَّ القلب، فذاك من البهتان، وهو أعظم من الغِيبة.

 

هل الدعاء والكلام الطيب قد يكون سببًا في الأذى؟

 

إن الدعاء في حد ذاته عبادة، كما قال رسول الله ﷺ: «الدعاء هو العبادة» [رواه الترمذي]، ومن أفضله الدعاء للغير حاضرًا أو بظهر الغيب، فكيف يُتَّهم من دعا بالخير بأنه مؤذٍ؟!

 

نعم، العين حق كما قال النبي ﷺ: «العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين» [رواه مسلم]، ولكن الإصابة بالعين لا تنتج عن الدعاء الطيب أو الكلام النقيّ، بل عن نظرة إعجاب خالية من ذكر الله، مقرونة بنفْس حسودة أو غير محصَّنة بالإيمان.

 

لماذا يخاف الناس من العين أكثر من خوفهم من الله؟

 

سؤال مؤلم وعميق، يلامس حقيقة الانحراف في بعض التصورات الإيمانية. إن المؤمن إذا رسخ الإيمان في قلبه علم أن كل شيء بقدر الله، ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾ [التوبة: 51]، فلا عين ولا سحر ولا مرض يخرج عن علم الله وإرادته.

 

لكن حين يضعف التوكل على الله، ويقلُّ العلم الشرعي، ويسيطر الجهل والخرافة، يخاف الناس من الأسباب الظاهرة، وينسون المُسبب، فيتوهَّمون أن العين فوق مشيئة الله! وهذا خلل خطير في العقيدة.

 

حين يخاف الناس من العين أكثر من رب العالمين، فهم يحتاجون أن يُجددوا إيمانهم، ويُصححوا توكلهم، ويعلموا أن الخوف الحقيقي لا يكون إلا من الذنوب والتقصير، لا من عبادٍ أمثالهم.

 

لماذا لا نبحث عن الأسباب الطبية والنفسية قبل اتهام الآخرين؟

 

إن من تمام العقل، وكمال الإيمان، أن نتقصى الأسباب الظاهرة، ونبحث عن التشخيص العلمي ومن ثم العلاج، ولا نُسارع إلى التفسيرات الغيبية التي لا نملك عليها برهانًا.

 

فالنبي ﷺ نفسه حين مرض الصحابة، أو اشتكوا، لم يتهم أحدًا بعين، بل وصف لهم العسل والحجامة والرقية، وأرشدهم إلى التداوي، وقال: «تداووا عباد الله، فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له شفاء» [رواه أبو داود].

 

ولما شكا أحد الصحابة بطنه، لم يقل لأخيه: هذه عين! بل قال: «اسقه عسلًا» [متفق عليه].

 

فأين نحن من هدي النبي ﷺ؟

 

علينا ألا نُعطِّل عقولنا، ولا نُقصي الأسباب الطبية والنفسية، ولا نُلقي تهمة الإصابة بالعين جزافًا، فقد يكون الأمر اضطرابًا نفسيًّا، أو ضغطًا عصبيًّا، أو خللًا عضويًّا، والشرع لا يُخالف العلم، بل يُنادي به ويتوافق معه.

 

كيف أتعامل مع من يظن بي السوء ويحمِّلني ما لا أقصد؟

 

يا أخي، هذه المحنة هي أجرٌ وثواب، وامتحانٌ ورفعة، والقلوب النقيّة دائمًا تُبتلى، والله يطهِّر بذلك عباده، ويصطفي أولياءه.

 

وأنصحك بعدة أمور:

 

1- الصدق مع الله:

 

استمر في نيتك الطيبة، واحتسب الأذى، ولا تغيِّر ما في قلبك لأجل الناس، فإنهم لا يملكون لك ضرًّا ولا نفعًا.

 

2- الدعاء لمن آذاك:

 

نعم، مَن آذاك، ادعُ له بالهداية والصلاح، قال تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [فصّلت: 34]، وقال ﷺ: «صِل من قطعك، وأحسن إلى من أساء إليك» [رواه أحمد].

 

3- الصبر والاحتساب:

 

فقد قال الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾ [النحل: 127]، وقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 153]. وقال: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾ [البقرة: 45]، وقال: ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا﴾ [المعارج: 5]، وقال: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: 10].

 

4- البيان الهادئ لمن يُسيء الفهم:

 

لا بأس في أن توضح لمن يهمه الأمر بلطف أنك لم تقصد أذى، وأنك تحب الخير وتدعو به، وأن الله وحده يعلم النيات، ثم تمضي ولا تجادل كثيرًا.

 

5- المُضي في الخير:

 

لا تتراجع عن الدعاء للناس، ولا تكتم محبتك لهم، فإن النبي ﷺ قال: «إذا أحب أحدكم أخاه فليُخبره» [رواه أحمد].

 

وختامًا أخي الكريم، لا تغيّر قلبك النقي من أجل كلمات قاسية أو تهم ظالمة، فالله يعلم، ويكفيك علمه.

 

كن كما أنت: صادقًا في محبتك، نقيًّا في نيتك، داعيًا بالخير. أسأل الله أن يجعل في قلبك سكينة من عنده، ويحبِّب فيك خلقه كما أحببت الخير لهم. وصلَّى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الرابط المختصر :