الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : قضايا التعدد
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
48 - رقم الاستشارة : 2990
19/10/2025
السلام عليكم ورحمة الله، زوجي تزوج علي وأنا تقبلت الأمر بصعوبة ولم أطالب أبدا بطلاقها وهو يحاول قدر استطاعته العدل بيننا لكن أنا أشعر بضيق نفسي شديد أحاول إخفاءه فكلماء جاء من عندها أشعر بنيران تحرقني وأنا أتذكر من أين جاء وأفكر رغما عن أنفي عن الوقت الذي يقضيه معها وكلما حاول أن يكون لطيفا معي أتخيل أنه يقوم بالأمر نفسه معها حتى أصبحت لا أنام وأبكي كثيرا جدا وأصرخ أحيانا وحدي وأصبح الصداع والمسكنات رفاقي في رحلة الوجع هذه .. لا أريد طلاقي أو طلاقها وأريد التكيف لكنني غير قادرة.. أريد أن أعيش حياة طبيعية لكنني لا أستطيع هل لديكم نصيحة لي؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك أختي الكريمة في موقعك البوابة الإلكترونية للاستشارات.
تعلمين –غاليتي- أننا نعيش على هذه الأرض حياة لا تكاد تخلو من الابتلاء، فالدنيا دار ابتلاء كما يقال والآخرة هي دار الجزاء، والابتلاء يكون بالخير تارة وبالشر تارة.. الابتلاء بالخير لا تتصوري أنه الأسهل لأنه يفتح الأبواب أمام فتن ضخمة ونحن نشعر بالخدر ولا ندرك أننا أمام فتنة.
الابتلاء بالشر لا يكون حلو المذاق أبدًا، فلا أحد يستمتع بالفقر، ولا أحد يتمتع بالمرض، ولا أحد يرتاح بالفقد، فكلها ابتلاءات صعبة ومؤلمة، وأنت –غاليتي- تعيشين أوقات ابتلاء بزواج زوجك عليك وما تعانينه من مشاعر غيرة مرهقة تحمل نزيفًا عاطفيًّا ونفسيًّا حادًّا..
ليس عليك أن تديني نفسك لأنك تشعرين هكذا، فهذه المشاعر القلبية لا سلطان لنا عليها.. أنت لا تعارضين شرع الله في التعدد ولم تطالبي بطلاق الأخرى، إذن أنت لم تقترفي إثمًا أو ذنبًا.. العكس تمامًا هو الصحيح أنت تقبلت وتريدين التكيف وهي خطوة كبيرة للغاية تقف أمامها كثير من النساء في هذا الموقف عاجزات.
مشاعر حارقة
قد تتساءلين بينك وبين نفسك كيف يكون التعدد شرع الله عز وجل وكيف ابتلى بهذه المشاعر الحارقة؟
والإجابة ببساطة أن هناك كثيرًا من التشريعات يرتبط بها بعض الصعوبات النفسية أو الجسدية في التنفيذ، ولكن العائد الكلي لها لصالح المجتمع كله.. مثلا القتال والجهاد في سبيل الله أليس هو ذروة سنام هذا الدين، ولكن ألا يشعر الكثيرون بالخوف، ألا يعاني الكثيرون من الألم، ألا يترتب عليه أن يفقد المجاهد عينه أو ذراعه أو ساقه؟.. مسألة ليست بسيطة وصفها الله عز وجل بأنها كره لنا ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ﴾، ولكن القتال ضرورة أحيانًا.. هل الصيام في شدة الحر مسألة بسيطة؟ هل الاستيقاظ لصلاة الفجر في الليالي الباردة سهل يسير؟ ما أقصده أن ما شرعه الله عز وجل لا يعني بالضروة أن يكون يسيرًا وسهلاً بل كثيرًا ما يتلبسه الصعوبة بدرجاتها لذلك فأنت تعانين.
بالطبع لا أدعوك لتقبل المعاناة واعتبارها قدرك، بل أريد فقط تنبيهك أن الحياة لا تخلو من هذه المعاناة، وواجب الإنسان بالتأكيد أن يتخذ كل الخطوات والإجراءات التي تخفض هذه المعاناة للحد الأدنى.
ثلاثة دفاتر
أختي الغالية، أريدك أن تحضري دفترًا أنيقًا وتجلسي مساء لمدة لا تزيد عن 10 أو 15 دقيقة وتكتبي فيها كل ما تشعرين به من مشاعر دون تدخل ودون تحجيم، أنت مجروحة وجرحك متقيح ونازف ولا بد من تنظيفه وإخراج ما به من سموم، ولا أفضل من الورق تفضين إليه بما تعانين منه وتخرجين فيه الوجع والنزف العاطفي الذي تشعرين به.. ولكن أريدك أن تكتبي بطريقة ذكية حتى لا يزيد وجعك..
اكتبي أن الهدف هو التخفف من مشاعرك الثقيلة التي تعانين منها، فبمجرد كتابة الهدف أمام عينيك فهذا يساعدك على تحقيقه.. اكتبي أن الكتابة هي طريقتك في التعبير عن الألم، وبعيدًا عن هذا الدفتر لن أبكي ولن أصرخ ولن أحلل في الأمر، وهنا أنت تحاصرين حزنك في زاوية ضيقة هي دفتر "راحة القلب".
بالتأكيد بين الحين والآخر ستكتبين أن الله سيجعل بعد عسر يسرًا، وأن الله الذي خلقك لن يتركك تعانين وحيدة في هذه الحياة، وأنك تحسنين الظن بالله، وما بين هذه الكلمات تقبلي ألمك وعبري عنه كما شئت.
أريد منك دفترًا ثانيًا -يا عزيزتي- تجعلين اسمه "نعمة الله"، إنه دفتر النعم التي لا تُحصى، والتي أريدك أن تكتبي كل يوم ثلاثًا منها.. ثلاثة أمور حياتية صغيرة ولكنها عظيمة في أثرها النفسي عليك، مثلا اكتبي استطعت النوم الليلة الماضية بعمق.. احتضنتي طفلتي الصغيرة وقالت لي: أحبك يا أمي.. شعرت بالسكينة بعد قراءة وردي من القرآن الكريم.
أما الدفتر الثالث فلنطلق عليه دفتر "الأحلام"، لكنها بالتأكيد الأحلام القابلة للتحقيق، وفيه تضعين فيه مخططاتك للمستقبل، فالحياة ينبغي ألا تدور حول محور واحد فقط ألا وهو الزوج وإلا فستختل، خاصة لو كان هذا الزوج متاحًا لنصف الوقت فقط، فعلى الأقل أنت بحاجة لمشروعات تشغل نصف الوقت الآخر.
الفراغ والتمحور حول الزوج والتفكير فيه هو ما يجعل جرحك نازفًا لا يندمل.. أنت بحاجة ماسة لتقليل التعلق به.. تخفيف مشاعر الحب نحوه (صدقيني الحب تركيزات مختلفة، وشديد التركيز قد يكون قاتلاً وغير متحمل) حتى تستطيعي المضي في حياتك.
ضعي ثلاثة أهداف واقعية في ثلاثة محاور حياتية مختلفة، وقسمي كل هدف لأهداف متناهية الصغر.. على سبيل المثال في المحور الروحي تريدين حفظ القرآن الكريم، فليكن الهدف حفظ سورة البقرة في الشهور الستة القادمة، وهذا يعني أنك ستحفظين الصفحة في ثلاثة أو أربعة أيام مثلاً (هدف متناهي الصغر)، وهذا يعني أنك ستذهبين لحلقة تحفيظ أو تنضمين لحلقة أون لاين.. اشغلي نفسك بهذه التفاصيل الصغيرة، وكلما أنجزت هدفًا سجليه في محور الإنجازات، فدفتر الأحلام يحوي الأهداف ويحوي الإنجازات.
التقبل الهادئ
أختي الكريمة، إذا أبدعت في تفريغ مشاعرك، وإذا أمعنت في التأمل لشكر النعم التي تعيشين في ظلالها، وإذا اجتهدت في وضع الأهداف وسعيت في إنجازها، فصدقيني سوف تتراجع مشاعر الغيرة الحارقة التي تشعرين بها، لا أقول لك ستختفي ولكنها ستقل جدًّا وستكون تحت سيطرتك الكاملة فتقبلي هذا.. ستتحول الغيرة من مرحلة الألم الحاد الصارخ الذي يحول بين الإنسان والحياة لمرحلة الألم المزمن المسيطر عليه والمتعايش معه والذي لا يحول بينك وبين الحياة الرحبة التي ينبغي ألا نظل عالقين في إحدى زواياها.
وأريد أن أهمس في أذنك بالمفتاح الذهبي لحل إشكالية التعلق والغيرة والألم وكيف تستطيعين ترويض هذا كله وتسيطرين على حياتك وتستطيعين تنفيذ كل النصائح التي سبق وقدمتها لك، ألا وهو القرب من الله عز وجل والدعاء في أوقات الاستجابة أن يربط على قلبك ويرزقك السكينة والطمأنية وراحة البال.
إذا ما راودتك فكرة أو خاطرة عما يدور بينه وبينها بعد ذلك كله فتقبلي هذا ولا تصدمي من مسار أفكارك فقط دعي الفكرة تمر.. استعيذي بالله من الشيطان الرجيم وقومي لمهمة من المهام التي تخططين لإنجازها، وفي المساء وفي دفتر راحة القلب اكتبي عن مشاعرك في هذه اللحظة، وعقّبي على ذلك بأنك الآن أفضل وأنك مسيطرة على حياتك..
اجعلي نهاية جلسة تفريغ المشاعر سعيدة.. اختميها بكلمات التحفيز أو كلمات رضا وبالطبع بالتوجه للخالق بالدعاء، فهو الذي لن يكلف نفسًا إلا وسعها، فثقي في كرمه وأنه سيجعلك تجتازين هذا المنحدر الصعب وتهبطين منه على أرض الواقع ثابتة القدمين..
أسعد الله قلبك ويسر أمرك، وتابعيني بأخبارك، ولا تترددي في الكتابة لنا مرة أخرى وعما أنجزته وعما تشعرين أنه عقبات في طريقك.. حتى لو حدثت انتكاسة ثانية فلا تترددي في الكتابة فستجدين منا آذانًا صاغية وقلوبًا متفهمة.
روابط ذات صلة: