الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : علوم القرآن والحديث
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
127 - رقم الاستشارة : 2816
29/09/2025
ما معنى قوله تعالى حتى يلج الجمل في سم الخياط ، هل المقصود الجمل المعروف ، أم الحبل، أفتونا مشكورين
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فقد اتفق العلماء أن السَّم هو ثقب الإبرة، لكنهم اختلفوا في الجمل على قولين: فمن قرأ الجَمَل ذكر أن المراد به الجمل المعروف، أي: الحيوان، وهو ذكر الناقة، ومن قرأ الجُمَّل بضم الجِيم وتشديد الميم، ذكر أن المراد به: حبل السفينة الغليظ، أو الحبل الذي يُصعد به إلى النخل، وكلا المعنيين يؤكد على استحالة الكفار الجنة فلن يدخل الجمل الحيوان ولا الحبل الغليظ الذي تشد به السفن في ثقب الإبرة مهما كان واسعًا، وهو يشعر الكفار باليأس من رحمة الله تعالى ودخول الجنة.
يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمِّ الخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُجْرِمِينَ﴾ [الأعراف: 40].
مشهد عجيب
يقول الأستاذ سيد قطب –رحمه الله- في تفسير الآية القرآنية السابقة:
ودونك فقف بتصورك ما تشاء أمام هذا المشهد العجيب . . مشهد الجمل تجاه ثقب الإبرة. فحين يفتح ذلك الثقب الصغير لمرور الجمل الكبير، فانتظر حينئذ - وحينئذ فقط - أن تفتح أبواب السماء لهؤلاء المكذبين، فتقبل دعاءهم أو توبتهم - وقد فات الأوان - وأن يدخلوا إلى جنات النعيم! أما الآن، وإلى أن يلج الجمل في سم الخياط، فهم هنا في النار، التي تداركوا فيها جميعًا وتلاحقوا؛ وتلاوموا فيها وتلاعنوا، وطلب بعضهم لبعض سوء الجزاء، ونالوا جميعًا ما طلبه الأولياء للأولياء.
التأييس من دخول الجنة
ويقول ابن عاشور – رحمه الله – في التحرير والتنوير:
وأكّد الخبر بـ (إنّ) لتأييسهم من دخول الجنّة، لدفع توهّم أن يكون المراد من الخلود المتقدّم ذكرُه الكنايةَ عن طول مدّة البقاء في النّار فإنّه ورد في مواضع كثيرة مرادًا به هذا المعنى.
ووقع الإظهار في مقام الإضمار لدفع احتمال أن يكون الضّمير عائدًا إلى إحدى الطّائفتين المتحاورتين في النّار، واختير من طرق الإظهار طريق التّعريف بالموصول إيذانًا بما تومىء إليه الصّلة من وجه بناءِ الخبر، أي: إنّ ذلك لأجل تكذيبهم بآيات الله واستكبارهم عنها، كما تقدّم في نظيرها السّابق آنفًا...
وبعد أن حُقّق ذلك بتأكيد الخبر كلّه بحرف التّوكيد، زيد تأكيدًا بطريق تأكيد الشّيء بما يشبه ضدّه، المشتهرِ عند أهل البيان بتأكيد المدح بما يُشْبه الذّم، وذلك بقوله تعالى: (حتى يلج الجمل في سم الخياط) فقد جعل لانتفاء دخولهم الجنّة امتدادًا مستمرًا، إذْ جعل غايته شيئًا مستحيلاً، وهو أن يَلج الجمل في سَمّ الخياط، أي لو كانت لانتفاء دخولهم الجنّة غايةٌ لكانت غايتُه ولوجَ الجْمل وهو البعير في سَمّ الخِياط، وهو أمر لا يكون أبدًا.
والجَمَل: البعير المعروف للعرب، ضُرب به المثل لأنّه أشهر الأجسام في الضّخامة في عرف العرب، والخِياط هو المِخْيَط بكسر الميم وهو آلة الخياطة المسمّى بالإبْرَة، والفِعال وَرَدَ اسمًا مرادفًا للمِفعَل في الدّلالة على آلةِ الشّيء كقولهم حِزَام ومِحْزم، وإزار ومِئْزر، ولِحاف ومِلحَف، وقِناع ومِقنع. والسَمّ: الخَرْت الذي في الإبرة يُدخل فيه خيط الخائط، وهو ثقب ضيّق، وهو بفتح السّين في الآية بلغة قريش وتضمّ السّين في لغة أهل العالية. وهي ما بين نجد وبين حدود أرض مكّة. والقرآن أحال على ما هو معروف عند النّاس من حقيقة الجَمل وحقيقة الخِياط، ليعلم أنّ دخول الجمل في خَرْت الإبرة محال متعذّر ما داما على حاليهما المتعارفين.
والله تعالى أعلى وأعلم.
روابط ذات صلة: