الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : العادات
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
208 - رقم الاستشارة : 2644
09/09/2025
ما حكم سفر المرأة بدون محرم للمشاركة في أسطول الصمود البحري الذي يضم أناسا من جميع أنحاء العالم لفك الحصار عن غزة؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فنشكر للسائلة الكريم حرصها على المشاركة في هذا الواجب الذي غابت عنه رموز الأمة الإسلامية والعربية، وحضر فيه غيرهم، وهذا واجبنا – نحن العرب والمسلمين – لكن هذا من الواجب الكفائي الذي إن قام به البعض سقط عن الجميع، والمهم أن يقوم بهذا الواجب على خير وجه وأحسن وجه.
وفي هذه الحالة يختلف الأمر من امرأة لأخرى، فالمرأة المتزوجة التي لها زوج وأولاد تختلف عن الفتاة الشابة، وهذه تختلف عن الكبيرة المسنة، والذي يطالع أسماء هذا الأسطول يجد الفئات العمرية كلها ممثلة.
وفي هذه الحالة يجب على المرأة استئذان زوجها إن كانت زوجة، أو والدها إن كانت بنتًا، وليست المشاركة الجسدية هي المطلوبة فقط، فالمشاركة المالية مطلوبة وقد تكون أهم وأولى، والمشاركة بالإعلام لا تقل أهمية عن المشاركة بالبدن، والدعاء لهم ومتابعة أخبارهم كل ذلك مشاركة، لأنه ليس من المعقول أن يشارك الناس جميعًا.
أما إن كانت السائلة تسأل عن حكم سفر المرأة بغير محرم فقد أجاز كثير من الفقهاء المعاصرين سفر المرأة بغير محرم إذا كانت برفقة آمنة.
أما الخوف عليها من الاعتقال أو القتل فهذا وارد، وما يحدث للناس هناك من قتل وتشريد وتجويع يستحق التضحية بالنفس والمال وبكل ما نملك.
يقول فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي – رحمه الله – في فتوى عن سفر المرأة بغير محرم:
الأصل المقرر في شريعة الإسلام ألا تسافر المرأة وحدها، بل يجب أن تكون في صحبة زوجها أو ذي محرم لها، ومستند هذا الحكم ما رواه البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم".
وعن أبي هريرة مرفوعًا: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها محرم".
وعن أبي سعيد عنه ﷺ: "لا تسافر امرأة مسيرة يومين ليس معها زوجها أو ذي محرم".
والظاهر أن اختلاف الروايات لاختلاف السائلين وسؤالهم، فخرجت جوابًا لهم، غير أن أبا حنيفة رجح حديث ابن عمر الأخير، ورأى أن لا يعتبر المحرم إلا في مسافة القصر. وهو رواية عن أحمد.
وهذه الأحاديث تشمل كل سفر، سواء كان واجبًا كالسفر لزيارة أو تجارة أو طلب علم أو نحو ذلك.
وليس أساس هذا الحكم سوء الظن بالمرأة وأخلاقها، كما يتوهم بعض الناس، ولكنه احتياط لسمعتها وكرامتها، وحماية لها من طمع الذين في قلوبهم مرض، ومن عدوان المعتدين من ذئاب الأعراض، وقطاع الطرقات، وخاصة في بيئة لا يخلو المسافر فيها من اجتياز صحار مهلكة، وفي زمن لم يسد فيه الأمان، ولم ينتشر العمران.
ولكن ما الحكم إذا لم تجد المرأة محرمًا يصحبها في سفر مشروع: واجب أو مستحب أو مباح؟ وكان معها بعض الرجال المأمونين، أو النساء الثقات، أو كان الطريق آمنًا، لقد بحث الفقهاء هذا الموضوع عند تعرضهم لوجوب الحج على النساء. مع نهي الرسول ﷺ أن تسافر المرأة بغير محرم.
(أ) فمنهم من تمسك بظاهر الأحاديث المذكورة، فمنع سفرها بغير المحرم، ولو كان لفريضة الحج، ولم يستثن من هذا الحكم صورة من الصور.
(ب) ومنهم من استثنى المرأة العجوز التي لا تُشتهى، كما نقل عن القاضي أبي الوليد الياجي، من المالكية، وهو تخصيص للعموم بالنظر إلى المعنى، كما قال ابن دقيق العيد، يعني مع مراعاة الأمر الأغلب.
(ج) ومنهم من استثنى من ذلك ما إذا كانت المرأة مع نسوة ثقات. بل اكتفى بعضهم بحرة مسلمة ثقة.
(د) ومنهم من اكتفى بأمن الطريق. وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. ذكر ابن مفلح في (الفروع) عنه قال: تحج كل امرأة آمنة مع عدم المحرم، وقال: إن هذا متوجه في كل سفر طاعة.. ونقله الكرابيسي عن الشافعي في حجة التطوع. وقال بعض أصحابه فيه وفي كل سفر غير واجب كزيارة وتجارة.
ونقل الأثرم عن الإمام أحمد: لا يشترط المحرم في الحج الواجب. وعلل ذلك بقوله: لأنها تخرج مع النساء، ومع كل من أمنته. بل قال ابن سيرين: مع مسلم لا بأس به. وقال الأوزاعي: مع قوم عدول. وقال مالك: مع جماعة من النساء. وقال الشافعي: مع حرة مسلمة ثقة. وقال بعض أصحابه: وحدها مع الأمن.
قال الحافظ ابن حجر: والمشهور عند الشافعية اشتراط الزوج أو المحرم أو النسوة الثقات. وفي قول: تكفي امرأة واحدة ثقة. وفي قول نقله الكرابيسي وصححه في المهذب تسافر وحدها إذا كان الطريق آمنًا. وإذا كان هذا قد قيل في السفر للحج والعمرة، فينبغي أن يطّرد الحكم في الأسفار كلها، كما صرح بذلك بعض العلماء؛ لأن المقصود هو صيانة المرأة وحفظها وذلك متحقق بأمن الطريق، ووجود الثقات من النساء أو الرجال.
والدليل على جواز سفر المرأة من غير محرم عند الأمن ووجود الثقات:
أولاً: ما رواه البخاري في صحيحه أن عمر رضي الله عنه أذن لأزواج النبي ﷺ في آخر حجة حجها، فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن، فقد اتفق عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف ونساء النبي ﷺ على ذلك، ولم ينكر غيرهم من الصحابة عليهن في ذلك. وهذا يعتبر إجماعًا.
ثانيًا: ما رواه الشيخان من حديث عدي بن حاتم، فقد حدثه النبي ﷺ عن مستقبل الإسلام وانتشاره، وارتفاع مناره في الأرض. فكان مما قال: "يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة (بالعراق) تؤم البيت لا زوج معها، لا تخاف إلا الله... إلخ"، وهذا الخبر لا يدل على وقوع ذلك فقط، بل يدل على جوازه أيضًا؛ لأنه سبق في معرض المدح بامتداد ظل الإسلام وأمنه.
هذا ونود أن نضيف هنا قاعدتين جليلتين:
1- أن الأصل في أحكام العادات والمعاملات هو الالتفات إلى المعاني والمقاصد بخلاف أحكام العبادات، فإن الأصل فيها هو التعبد والامتثال، دون الالتفات إلى المعاني والمقاصد. كما قرر ذلك الإمام الشاطبي ووضحه واستدل له.
2- إن ما حرم لذاته لا يباح إلا للضرورة، أما ما حرم لسد الذريعة فيباح للحاجة. ولا ريب أن سفر المرأة بغير محرم مما حرم سدًّا للذريعة. كما يجب أن نضيف أن السفر في عصرنا، لم يعد كالسفر في الأزمنة الماضية، محفوفًا بالمخاطر لما فيه من اجتياز الفلوات، والتعرض للصوص وقطاع الطرق وغيرهم، بل أصبح السفر بواسطة أدوات نقل تجمع العدد الكثير من الناس في العادة، كالبواخر والطائرات، والسيارات الكبيرة، أو الصغيرة التي تخرج في قوافل، وهذا يجعل الثقة موفورة، ويطرد من الأنفس الخوف على المرأة؛ لأنها لن تكون وحدها في موطن من المواطن؛ ولهذا لا حرج أن تحج مع توافر هذا الجو الذي يوحي بكل اطمئنان وأمان.
والله تعالى أعلى وأعلم.