استعمال مشاهد مضحكة للاستهزاء بالأحكام الشرعية

Consultation Image

الإستشارة 26/08/2025

استفتاء حول ظاهرة تناول المسائل الشرعية بالسخرية في وسائل التواصل الاجتماعي فضيلة الشيخ، لاحظنا في الآونة الأخيرة انتشار ظاهرة خطيرة في منصات التواصل الاجتماعي، تتمثل في تناول المسائل الشرعية بأسلوب ساخر ومستهزئ، حيث يقوم بعض الأشخاص بتقطيع مشاهد من المسلسلات والأفلام وإعادة تركيبها بما يتضمن السخرية من الأحكام الشرعية والمناسبات الدينية.

ومن الأمثلة على ذلك: قيام بعضهم بأخذ مشهد كوميدي من أحد المسلسلات الشهيرة، ثم إضافة عبارات ساخرة تتعلق بأحكام المولد النبوي الشريف أو بالخلافات الفقهية في بعض العبادات، فيظهر الحكم الشرعي أمام المتابعين وكأنه مادة للضحك والتندر، مما يشكل إساءة بالغة للمسائل الدينية ويؤدي إلى استخفاف الناس بها. وقد أصبح هذا المحتوى واسع الانتشار بين فئة الشباب خاصة، حتى صار كثير منهم يتلقى دينه من خلال هذه المقاطع دون فهم أو علم.

وبناءً عليه نرجو من فضيلتكم التكرم ببيان ما يلي:

1. الحكم الشرعي في مثل هذه الأفعال، وهل تُعد من الاستهزاء بالدين؟

2. الموقف الذي ينبغي أن يتخذه المسلم تجاه هذا النوع من المحتوى.

3. الدور المطلوب من المؤسسات الدينية لمواجهة مثل هذه الظواهر وحماية المجتمع منها.

نسأل الله أن يجزيكم عنا خير الجزاء، وأن ينفع بكم الإسلام والمسلمين. وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير.

الإجابة 26/08/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فلم يذكر لنا السائل الكريم نماذج مصورة أو مسموعة من هذه الأعمال الفنية التي يرى أنها استهزاء بالدين، ومن ثم ستكون إجابتنا بشكل عام، فإن كانت كافية شافية -ونسأل الله ذلك- فبها، وإلا يمكنك إرسال الروابط لهذه الأعمال حتى نذكر لك الحكم الشرعي فيها.

 

ومن حيث الأصل لا مانع من استعمال الدراما والمشاهد التمثيلية لتبسيط المعلومة الفقهية وتوصيلها لعموم الناس، أما إن كان الاستعمال بقصد السخرية من الحكم الشرعي الثابت بالقرآن أو السنة أو اجتهاد الفقهاء، فالذين يفعلون ذلك على خطر عظيم، وهم يتشبهون بغير المسلمين الذين يتخذون آيات الله هزوا، ويسخرون من أحكام الله تعالى.

 

وعلى المسلم مقاطعة هذه المشاهد أولاً، ثم تبصير النصر وتحذيرهم من الاستماع إليها ثانيًا، واستعمال القوانين إذا كانت هذه القوانين تسمح بذلك، وعلى المسئولين محاسبة هؤلاء الناس ووقف هذه المشاهد إن كانت حقًّا تسخر من الأحكام الشرعية الثابتة.

 

أما إن كانت هذه المشاهد تعالج الخطأ في تطبيق الأحكام، أو تعالج التعصب لرأي فهي بعينه دون النظر للآراء الأخرى فهي جائز، لكن بغير سخرية.

 

يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (الحجرات: 11).

 

جاء في فتاوى دار الإفتاء بالأردن:

 

يحرم الاستخفاف أو الاستهزاء بأمور الدين؛ ومن ذلك تداول النكات المضحكة التي تمس الإسلام أو الأديان، فإنها تنتقص من قيمته، وتؤدي إلى الطعن فيه، والواجب على كل مسلم أن يعظم الله ورسوله وشريعته، قال سبحانه وتعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (الحج: 32).

 

والنكات إن كانت تتضمن سخرية واستهزاءً بالله أو رسله أو القرآن أو أي حكم مِن أحكام الدين أو شعيرة من شعائره؛ فإن صاحبها على خطر عظيم في دينه؛ حيث إنه سبحانه نهى عن ذلك، فقال: ﴿وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا (البقرة: 231). 

 

ولا يليق بالمسلم تداول هذه النكات لإضحاك الناس، فقد حذّر النبي ﷺ من خطورة التكلم بكلمة واحدة تسخط الله عليه، فقال عليه الصلاة والسلام: (وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِي بِهَا فِى جَهَنَّمَ) رواه البخاري.

 

وقد كان النبي ﷺ يمزح ولا يقول إلا حقًّا، وجاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ) رواه أبو داود.

 

وعليه؛ فإن تداول النكات المسيئة للدين إن كان عن جهل وقلة إدراك من غير استهزاء، فالواجب النصح والمعاملة باللطف واللين، وأما إن كانت على سبيل الاستهزاء والسخرية -والعياذ بالله-، فذلك خطر عظيم على دين من يتداولها، وعلى كل حال يجب على من وقع في مثل ذلك التوبة والاستغفار.

 

ونتوجه بالنصح للمسلمين أن يستثمروا وسائل الاتصال المتنوعة في نشر الخير وكل نافع ومفيد يحقق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.

 

والله تعالى أعلى وأعلم.

الرابط المختصر :