الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : العادات
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
309 - رقم الاستشارة : 2563
02/09/2025
ما حكم السلام والتضييق على أهل الكتاب في الطرقات، وهل هذا واجب علينا؟
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فأما السلام عليهم فمحل خلاف بين الفقهاء يرى جمهور الفقهاء عدم جواز إلقاء السلام عليهم بلفظ السلام ولا مانع من تحيتهم بأي تحية أخرى، وعلى المسلم أن يرد عليهم السلام، ويرى بعض الفقهاء الجواز، أما التضييق عليهم في الطرقات فشيء رمزي فقط وهو عدم الاحتفاء بهم والتوسيع لهم في الطرق وتقديمهم على المسلم، وليس تعمد التضييق، وكل هذا مشروط بعدم الإيذاء أو الظلم ما دموا مسالمين غير محاربين.
شرح الحديث في الدرر السنية
من المعلوم أنه لم يكن من هدي النبي ﷺ أنه إذا رأى الكافر ذهب يزاحمه في الطريق حتى يجعله في جانب الطريق، وما كان النبي ﷺ يفعل هذا باليهود في المدينة، ولا كان الصحابة رضي الله عنهم يفعلونه بعد فتوح الأمصار. وعليه يكون المعنى: لا توسعوا لهم إذا قابلوكم إكرامًا لهم واحترامًا، فيكون لهم السعة ويكون الضيق عليكم، بل استمروا في اتجاهكم وسيركم، واجعلوا الضيق -إن كان هناك ضيق- على هؤلاء، فالشارع قد أمر بتحقيرهم وعدم الالتفات إليهم والإعراض عنهم.
ويقول الله تعالى: ﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الممتحنة: 8- 9].
وقد عالجنا موضوع السلام على غير المسلمين في استشارة سابقة ننقل لك منها:
قد اختلف الفقهاء حول إلقاء السلام على غير المسلم، فذهب الحنفية والمالكية إلى كراهة ذلك، وذهب الشافعية والحنابلة إلى عدم الجواز.
ودليلهم على ذلك قول النبي ﷺ: "لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه".
رأي آخر
وذهب بعض الفقهاء إلى جواز ذلك منهم ابن عباس وابن مسعود وأبو أمامة من الصحابة، ومن بعدهم: عامر الشعبي وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي وسفيان بن عيينة، ورجحه جماعة من متأخري العلماء كالسيد رشيد رضا وفضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي وغيرهم، وذهب إلى هذا الرأي المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء، ودليلهم على ما ذهبوا إليه ما يلي:
1- قول الله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (الممتحنة: 8).
2- وقوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام: ﴿قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ (مريم: 47).
3- وقوله تعالى: ﴿وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ لَّا يُؤْمِنُونَ * فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ (الزخرف: 88- 89).
4- وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ (القصص: 55).
5- وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (النور: 27).
وكان ردهم على الاستدلال بالحديث السابق أن هذا مقيد بوقت الحرب، حيث ورد هذا الحديث بروايات أخرى أن رسول الله ﷺ قال: "إني راكب غدا إلى اليهود فلا تبدؤوهم بسلام"، وكان هذا في يهود بني قريظة، فلا يتصور أن يبدؤوهم بالسلام بعد خيانتهم، والسلام لا يناسب جو الحرب؛ لأنها ليست كلمة تقال باللسان ثم تخالفها الأقوال.
وهذا الرأي الأخير هو ما نرجحه للفتوى، وخاصة إن كانت هناك علاقات طبيعية بين المسلمين وغير المسلمين، كأن يكونوا جيرانًا، أو زملاء عمل، أو بينهم قرابات ومصاهرة، أو بينهم وبين بعضهم معاملات أخرى تجعل مقابلاتهم متكررة.
والله تعالى أعلى وأعلم.