الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : المراهقون
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
24 - رقم الاستشارة : 2794
27/09/2025
بكتب لكم وقلبي واجعني وخايفة على بنتي الوحيدة اللي عندها 15 سنة. كانت طول عمرها نور البيت، اجتماعية وبتحب الضحك والهزار، بس لاحظت تغيير كبير في سلوكها في الكام شهر اللي فاتوا.
بنتي بقت بتعزل نفسها عننا كتير، وترفض تقعد معانا في الصالة، وبتقفل باب أوضتها أغلب الوقت. كلامها معانا بقى على أد السؤال وبس، وكأنها بتهرب من أي حوار. مبقتش تحكي لنا عن أي حاجة بتحصل في يومها ولا نعرف إيه اللي بيدور في دماغها، وكأنها بقت غريبة علينا.
العزلة المفاجئة دي قلقانا جدًا. هل ممكن تكون بتمر بأزمة نفسية في السن ده؟
هل دي تغيرات طبيعية في فترة المراهقة؟ ولا الموضوع أكبر من كده؟
خايفين تكون بتتعرض لأفكار غريبة أو انحرافات مانعرفش عنها حاجة، لا قدّر الله.
محتاجين نصايحكم وتوجيهاتكم ودعاءكم ربنا يحفظها من كل شر.
إمتى العزلة دي تبقى حاجة خطر؟ وهل فيه علامات معينة لازم ناخد بالنا منها تدل على أزمة حقيقية؟
إزاي نتدخل في الحالة دي من غير ما نحسسها إننا بنراقبها؟ إحنا عايزين نساعدها بس من غير ما تفقد ثقتها فينا، أو تحس إننا مش واثقين فيها.
وشكرًا جزيلًا.
أختي الفاضلة، مرحبًا بك، وأشكر لك ثقتك التي وضعتِها فينا، وأسأل الله العظيم أن يطمئن قلبك على ابنتك قرة عينك، وأن يقرَّ عينك بصلاحها وبرِّها، وأن يحفظها من كل سوء ومكروه، ويجعلها سندًا وعونًا لك في الدنيا والآخرة، وبعد...
فإنَّ خوفك هذا هو عين اليقظة والمسؤولية، وتجربة تمر بها أمهات كثيرة مع بناتهن اللاتي في سن ابنتك. فسن المراهقة هي بحر متلاطم الأمواج، يمر فيه أبناؤنا وبناتنا بمرحلة انتقالية حرجة، بين عالم الطفولة البريء وعالم الرشد والمسؤولية. وهي سن التغيرات الكبرى، سواء أكان على المستوى الجسدي أم النفسي أم الفكري.
تغيرات طبيعية أم أزمة حقيقية؟
أختي الكريمة، سن الخامسة عشرة هي قمة مرحلة المراهقة؛ حيث تسعى الفتاة لتكوين شخصيتها المستقلة واكتشاف ذاتها بعيدًا عن ظل الوالدين. ومن هنا، قد تلجأ إلى العزلة كفضاء خاص للتأمل والتفكير، أو كوسيلة للتعبير عن حاجتها للاستقلالية والخصوصية. ولكن كيف نفرِّق بين العزلة الطبيعية الآمنة، والعزلة المرضية المقلقة؟
العزلة الطبيعية تكون مؤقتة، وقد تكون الفتاة خلالها منغمسة في هواية معينة أو تفكير خاص، بينما العزلة المرضية هي التي تكون مصحوبة بعلامات أخرى تنذر بوجود أزمة حقيقية، لا قدر الله.
علامات الخطر التي يجب الانتباه لها:
* الانقطاع التام عن كل شيء: إذا كانت العزلة تشمل الانقطاع التام عن صديقاتها، وهواياتها التي كانت تحبها، وعن الأنشطة المدرسية.
* تغيرات حادة في المظهر: إهمال النظافة الشخصية، أو تغييرات جذرية ومفاجئة في شكلها الخارجي.
* تقلبات مزاجية شديدة: حزن دائم، بكاء متكرر، غضب غير مبرر، فقدان للشهية، أو شهية زائدة عن الحد.
* تراجع في الأداء الدراسي: انخفاض ملحوظ في درجاتها، وإهمالها لواجباتها.
* سلوكيات غير مألوفة: العنف، أو التعبير عن اليأس، أو الحديث عن إيذاء النفس.
فإذا لاحظتِ هذه العلامات، فلا تترددي أبدًا في اللجوء إلى استشارة اختصاصي نفسي أو تربوي موثوق؛ لأن هذا يدل على أن الموضوع أكبر من مجرد تغيرات مراهقة. وعلاج مثل هذه الحالات يجب أن يكون مباشرًا وحضوريًّا؛ لخصوصية كل حالة، واحتياج كل منها إلى تعامل خاص ومتابعة وملاحظة وفقًا للتطورات.
كيف تتدخلين؟
مفتاح التعامل مع هذه المرحلة أن تسألي نفسك: ماذا تريدين أن تكوني لابنتك؟ فأسلوب تعاملك معها إما أن يجعل بينكما كنزًا ورصيدًا كبيرًا من الثقة، ما يفتح قلبها لك، وإما أن يبني بينكما جدارًا منيعًا يصدها عنك وينفِّرها.
ينبغي لك ألا تتقمصي معها دور الشرطية؛ بل واجبك أن تكوني لها الملاذ الآمن في هذا العالم. ولتحقيق هذا أنصحك بالتالي:
- الوجود اللطيف: لا تلاحقيها بالأسئلة، ولكن كوني حاضرة في محيطها. اجلسي قريبًا منها دون أن تشعر بتطفل منك، حضِّري لها كوبًا من عصير تحبه، أو حلوى تفضلها، وضعيها لها دون أن تطلبي منها شيئًا. هذه اللمسات البسيطة تقول لها: «أنا هنا لأجلك، وأهتم بك، حتى وإن كنت بعيدة».
- القول اللين: إن الكلمات لها سحر، وقد قال الله –تعالى- في كتابه العزيز: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكرُ أَوْ يَخْشَىٰ﴾ [طه: 44]، وهو يعلِّم موسى وهارون -عليهما السلام- كيفية التعامل مع فرعون الطاغية! فكيف بنا نحن مع فلذات أكبادنا؟!
- الهدية البسيطة: اشتري لها كتابًا في محتوى تحبه، أو أداة لهواية تمارسها، أو ملابس... إلخ. فهذه اللفتات تؤكد لها أنك تحبينها تهتمين لأمرها دون أن تشعريها بالتدخل.
- المبادرة بالحديث عن نفسك: احكي لها عن شيء بسيط حدث معك في يومك، أو عن ذكرى من طفولتك. فهذا يكسر حاجز الصمت، ويفتح نافذة للحوار دون أن تضغطي عليها.
- الدعاء الصادق: لا تغفلي عن سلاح المؤمنين. ادعي لها في صلاتك وفي كل لحظة، أن يهديها للصواب والحق، ويشرح صدرها، ويربط على قلبها. ولقد كان الأنبياء يدعون لأبنائهم، فقد قال الله –تعالى- على لسان إبراهيم عليه السلام: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾ [إبراهيم: 40]. والدعاء يطمئن قلبك، ويصلح حالها بإذن الله. وتذكَّري –أختي الفاضلة- أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
وختامًا أختي الفاضلة، هذه مرحلة صعبة، ولكن التعامل معها وإدارتها يسير على من يسره الله عليه. والخلاصة: كوني لها الحضن الدافئ، والكتف الذي يمكن أن تستند عليه، والأذن التي تستمع دون حكم. إن الثقة هي البنية التحتية لعلاقتكما، فزيدي رصيدها وحافظي عليه.
أسأل الله أن يحفظ ابنتك من كل شر، وأن يجعلها قرة عين لك في الدنيا والآخرة، وأن يوفقك لحسن التعامل معها حتى تخرج من تلك الأزمة على خير بإذن الله.
روابط ذات صلة:
العزلة أم المخالطة.. أيهما أفضل للحفاظ على إيماني؟
للتحرر من الكبر وحب الظهور.. هل العلاج في العزلة؟!
كيف أواجه شعور الاكتئاب والرغبة في العزلة خلال الأعياد؟
غضب وعزلة في رمضان.. كيف أساعد ابني المراهق؟!