الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : الأطفال
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
87 - رقم الاستشارة : 2992
16/10/2025
ابني عمره عشر سنوات، وقد لاحظت أن زميله عندما يتحدث يخرج لعابه أحيانًا من فمه بطريقة ملفتة ومقززة بعض الشيء، تشبه ما يفعله الأطفال الصغار.
في البداية ظننت أن الأمر مجرد عادة، لكن تكرارها جعلني أتساءل إن كان وراءها سبب نفسي أو عضوي.
بدأت أخاف أن يتأثر ابني به أو يقلده من باب المزاح أو التقليد اللاواعي، فصرت أوصيه بالابتعاد عنه وألا يجلس أو يلعب معه كثيرًا.
لكن ضميري يؤنبني، وأخشى أن أكون ظلمت الطفل أو علمت ابني التمييز والتنمر دون قصد. فهل تصرفي صحيح؟ وماذا تعني هذه الحالة التي عند زميل ابني؟
عزيزتي الأم،
دعيني أبدأ بطمأنتك أن ما يحدث من زميل ابنك -أي خروج اللعاب أحيانًا أثناء الحديث- لا يُعد سلوكًا شاذًّا دائمًا، بل قد تكون له أسباب متعددة، بعضها عضوي، وبعضها نفسي سلوكي.
ضعف التحكم العضلي الفموي
1- من الناحية العضوية:
قد يكون الطفل مصابًا بما يُعرف طبيًّا بـ ضعف التحكم العضلي الفموي، أو Oral Motor Control Weakness، وهي حالة تؤثر على قدرة العضلات حول الفم على التحكم الكامل في اللعاب، خاصة عند الكلام أو الانفعال. وقد ترتبط أيضًا بمشكلات في الجهاز العصبي المركزي أو تأخر طفيف في النمو الحركي الدقيق.
التوتر الداخلي
2- ومن الناحية النفسية والسلوكية:
ففي بعض الحالات، تظهر هذه العلامة عند الأطفال الذين يعانون توترًا داخليًا أو قلقًا اجتماعيًّا أو ضعفًا في الوعي الجسدي (Body Awareness)، فيتحدث الطفل بحماسة دون إدراك لحركات فمه أو لعابه.
الفهم والاحتواء
وبالتالي، فالحكم على الطفل أو تجنبه لا يليق تربويًّا ولا إنسانيًّا؛ لأن السلوك ناتج عن احتياج أو اضطراب، وليس عن تقصير أو إهمال.
هنا يأتي دور التربية الواعية التي تُعلِّم أبناءنا التعاطف بدلًا من النفور؛ لأن السلوك السليم لا يتشكل بالابتعاد عن المختلف، بل بالفهم والاحتواء دون تقليد أو استهزاء.
فأكدي عليه معنى كلام الله تعالى، إذ قال: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، وقال ﷺ: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد".. ليتعلم أن الاختلاف بين الأطفال في القدرات والمظاهر الجسدية أمر طبيعي، والتربية الناضجة تُعلِّم الطفل أن الاحترام لا يتجزأ، وأن الرحمة بالضعيف خلق الأنبياء.
"الوقاية السلوكية" و"العزلة الاجتماعية"
3- أما من منظور علم النفس التربوي الأسري:
نحن نُفرّق دائمًا بين "الوقاية السلوكية" و"العزلة الاجتماعية". فمن حقك كأم أن تشرحي لابنك بلطف -دون تحقير أو خوف- أن بعض الأطفال لديهم صعوبات جسدية بسيطة تجعل تصرفاتهم غير معتادة، وأن عليه أن يتعامل معهم باحترام مع تجنب التقليد أو المزاح المؤذي.
هذه الطريقة تُنمّي لديه الذكاء الاجتماعي، والضبط الانفعالي، وتمنحه اتزانًا نفسيًّا يمنعه من التنمر علي الغير أو الخوف من الاختلاف.
* ولصحته النفسية والتربية السليمة أنصحك بالآتي:
- لا تزرعي في ابنك الخوف من الاختلاف، بل درّبيه على الفهم والرحمة.
- تحدثي مع معلمته -بطريقة راقية- لتتحقق إن كانت المٓدرسة على علم بحالة الطفل، فقد يحتاج دعمًا علاجيًّا أو متابعة خاصة.
3- اغتنمي الموقف كفرصة تعليمية لغرس القيم الإنسانية؛ فالمواقف الصغيرة تترك أثرًا كبيرًا في تكوين الضمير الأخلاقي للطفل.
فما أجمل أن ينشأ ابنك رفيقًا بالناس، نبيلاً في مشاعره، واعيًا بحدوده، لا يقلد الخطأ ولا يزدري المختلف، بل يملك قلبًا رحيمًا وعقلًا متزنًا، وذلك هو جوهر التربية الأخلاقية الواعية (Conscious Moral Upbringing).
* همسة أخيرة:
الأم الواعية لا تزرع في ابنها التمييز، بل الوعي، ولا تُربيه على التجنب، بل على الاحترام؛ لأن التربية بالرحمة أعمق أثرًا من التربية بالخوف.
روابط ذات صلة: