الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : استشارات أخرى
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
101 - رقم الاستشارة : 2890
07/10/2025
السلام عليكم.. هناك سؤال يحيرني لماذ ا أوجب الإسلام على الزوجة أن تطيع زجها رغم أن عقلها وتفكيرها ووعيها قد يكون أعلى منه وقد تنفق مثله في البيت؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً ومرحبا بك في موقعك البوابة الإلكترونية للاستشارات.
نحن نطيع الأمر الإلهي حتى لو خفي علينا حكمته ومقاصده، فيكفي أن هناك أمرًا من الله ثبت بدليل صحيح حتى نتبعه، سواء عرفنا مقصده قبل أن ننفذه أو عرفناه بعد أن قمنا بتنفيذه أو لم نعرفه أبدًا ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾، هذه الطاعة هي جوهر الإيمان ودلالة على مدى عمقه في النفس البشرية.
لكن مع ذلك فالبحث عن مقاصد الشريعة في أمر ما أو نهي ما هو أمر شرعي تمامًا وكثيرًا ما تحدث القرآن بشكل صريح عن الغاية من الأمر أو النهي وكذلك فعل النبي ﷺ، وهنا تضاف قوة العقل إلى قوة الإيمان الغيبي فيطمئن قلب الإنسان أكثر وينشرح صدره أكثر وأكثر.
وللتشريع الإسلامي مقاصد عليا كثيرة في غاية الأهمية.. يعنيني من هذه المقاصد في قضية طاعة الزوجة لزوجها مقصد صناعة التوازن بين الفرد والجماعة الذي يحقق العدالة ومقصد الحفاظ على الفطرة الإنسانية كما خلقها الله تعالى.
مفهوم الطاعة
لكن قبل أن نتحدث عن مقاصد الشريعة في قضية الطاعة هذه علينا أن نسأل ما هي هذه الطاعة؟ وما حدودها؟ ومتى تجب؟ ومتى تستحب؟ ومتى تحرم؟ وهل هي مطلقة أم مقيدة؟ وما هي مجالها وحدودها؟
طاعة الزوجة لزوجها في الإسلام هي طاعة مقيدة بطاعة الله عز وجل فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وهذا هو الأصل الكبير.
هي طاعة في المجال الخاص داخل الأسرة، فليس من واجب الزوجة مثلا طاعة الزوج في أفكاره الخاصة أو توجهاته السياسية أو الاقتصادية.
هي طاعة محدودة بقدراتها الشخصية، فالأحكام الشرعية كلها لا تكلف الإنسان فوق طاقته.
هي طاعة لا تسبب لها ضررًا أو أذى حقيقيًّا، فلا ضرر ولا ضرار.
هي طاعة لا تجور على حقوقها التي منحتها لها الشريعة الإسلامية كحقوقها الاقتصادية أو ذهابها للمسجد.
هي طاعة لا تتعدى على الشروط التي اشترطتها لنفسها وقت عقد الزواج طالما كانت شروطًا شرعية.
هي طاعة واجبة في حدود العلاقة بين الزوج والزوجة وداخل إطار الأسرة ومستحبة في الإطار العام الأكبر من ذلك، ولا يمكن فهمها بشكل عميق إلا في ضوء الفهم الكلي للمقاصد الشرعية، ولا يمكن النظر إليها مقطوعة عن باقي الأحكام مثل الشورى مثلاً.
صناعة التوازن
الشريعة الإسلامية تولي اهتمامًا كبيرًا بالبناء المجتمعي لكنها لا تسحق الفرد من أجل هذا البناء، والأسرة القوية هي لبنة البناء الصحيحة لا يصح أن تكون متشرذمة ممزقة متنافرة، لذلك جعلت القوامة والقيادة للرجل حتى لا يحدث التنازع، وطلبت من الزوجة أن تطيع زوجها وحثتها على ذلك (إذا صلّت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت)، لكن لايمكن النظر لذلك بالنسبة للقرارات الأسرية إلا في ضوء القاعدة الكلية ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ﴾ التي تتنزل على تفاصيل الحياة الأسرية حتى في الوقت المناسب للفطام ﴿فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا﴾.
الطاعة في العلاقة الخاصة هي من الأمور البالغة الأهمية لأنها تحقق العفاف وما يتبعه من حفظ العرض الذي هو إحدى الكليات الخمسة التي جاءت الشريعة لحفظها (إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح)، لكن لا يمكن فهم الحديث دون قاعدة (لا ضرر ولاضرار)، فإذا كانت مريضة أو بها أذى فليس عليها طاعته لأنه يضرها ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
إذن يمكننا النظر لطاعة الزوجة لزوجها كمقصد من مقصد صناعة توازن بين الفرد والجماعة كالتالي: المرأة كفرد والأسرة كجماعة.. مصلحة الأسرة أن يكون لها قائد يجب طاعته وهو الزوج، وقوامة الزوج هي مسئولية وتعب في المقام الأول وليست هدية مجانية ومنفعة شخصية كما يتم تصوير الأمر أحيانًا.
وفي الوقت ذاته حدود هذه الطاعة مقيدة وليست مطلقة ولا تؤذي الزوجة ولا تتغول على حقوقها الشرعية، فهنا تم التوازن بين مصلحة الفرد والجماعة.. ومن ثم تتحقق مصلحة الجماعة الكبيرة (المجتمع) بلبنات أسرية قوية ومتماسكة.
الحفاظ على الفطرة
الفطرة الإنسانية هي ذلك البناء النفسي الذي خلق الله الإنسان عليه وكل مولود يولد على الفطرة، ثم تأتي الاسرة بنمط تربيتها والمجتمع بثقافته ليعززوا هذه الفطرة أو لطمسها وتبديلها والعبث بها، والأحكام الشرعية كلها تأتي لتعزيز الفطرة النقية والتي هي جزء لا يمكن محوه من الضمير البشري (يتم إضافة طبقات ثقيلة عليه بسبب أنماط التربية وقيم المجتمعات)، وقيادة الرجل للأسرة وطاعة المرأة له من الأمور المرتكزة في هذه الفطرة والتي يستشعرها كل جنس بداخله ولو بصورة بعيدة غامضة إذا كان في مجتمع يتنكر لها.
وغالبًا يتم تفسير هذا الشعور الغامض بإرث مجتمعي تاريخي يظلم المرأة ويراها بطاعتها للزوج في مكانة وقيمة أقل فيقوم بوأد هذا الشعور أو التشويش عليه، وأكثر ما يكون هذا في النساء بحكم الأفكار النسوية الرائجة والتي تتعارض كلية مع الفطرة، ويأتي رأي سيمون دي بوفوار (لا تولد المرأة امرأة وإنما تصبح كذلك) كقاعدة تأسيسية لهذا التيار يتم نفي الفطرة بها ورفض صورة المرأة المطيعة العفيفة الراعية والهجوم عليها (المدهش أن الرسائل العاطفية الخاصة بسيمون دي بوفوار مع صديقها الأمريكي وليس مع الفيلسوف الوجودي سارتر تشير إلى امرأة متعطشة للحب ولديها استعداد للطاعة حد الخضوع التام).
منح الإسلام للمرأة الحق الكامل في رفض الزوج الذي لا تراه يليق بها ولا تستشعر أنه قادر على قيادة الحياة الزوجية والذي لا تستشعر أنها غير قادرة على تحمل قوامته أو طاعتها له، وكل إنسان أدرى بمشاعره وقيمه، ومن حق المرأة ألا تتزوج إلا بمن تشعر أنه يقاربها في درجة الوعي أو يزيد أيضًا، ولكن إذا قبلت المرأة بكامل إرادتها الزواج من رجل ترى أنها أفضل منه وعيًا وفكرا وثقافة فليس أمامها إلا الامتثال للقاعدة الشرعية الخاصة بالطاعة حتى يحدث التوازن داخل الأسرة، ويمكنها إن كانت على درجة أعلى بالفعل أن تستخدم القوة الناعمة للإقناع حتى يستجيب لها، وهذا كله لا علاقة له بطاعتها له في الأمور الخاصة والحميمية؛ لأن هذه مشاعر وأحاسيس غريزية هي من المقاصد الرئيسة للزواج.
أما بالنسبة للنفقة فهي عامل إضافي للقوامة ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾، فالنفقة واجبة على الرجل، وينبغي له ألا يطلب من المرأة المشاركة في النفقة، فإن قدمت هي المساعدة عن طيب نفس منها فليس لها أن تمتنع عن طاعته وقوامته لأنها تساعده في النفقة، وهذا يؤذيها قبل أن يؤذيه لأنه يجرح مشاعرها الفطرية التي تحدثنا عنها..
إما إن كان الرجل مقصرًا ومتكاسلاً وطامعًا في مال زوجته فلها الحق في طلب الطلاق للضرر الواقع عليها ولا تستمر في حياة تشعر فيها بنقص زوجها في عينيها، فإن أرادت استمرار الزواج لمصلحة عليا كالحفاظ على الأولاد أو لأن هذا الزواج يحقق لها العفاف ونحو ذلك فعليها أن تصبر صبرًا جميلاً فتقوم بواجباتها الطبيعية وتطيع هذا الزوج طالما أن رابطة الزوجية قائمة باختيارها الحر.
الخلاصة: وجوب طاعة الزوجة لزوجها هو تعزيز للفطرة الإنسانية السوية التي خلق الله بها الرجل والمرأة وضمان للتوازن بين الفرد والجماعة داخل المجتمع، وهي من أهم عوامل استقرار هذا المجتمع.
روابط ذات صلة: