الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : استشارات أخرى
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
66 - رقم الاستشارة : 3036
22/10/2025
السلام عليكم ورحمة الله الله.. أنا فتاة في منتصف العشرينيات وهناك سؤال يلح علي ذهني كثيرا ألا وهو لماذا شرع الله المهر؟ فهل المهر هو ثمن العروس؟ هل الزوج يمتلكها بهذا المهر؟ وهل تقدرقيمة الفتاة بقيمة ما يقدر لها من مهر كما يحدث في بعض البيئات؟ وما هي حدود التيسير في المهر؟ وهل إذا تقدم لي شاب ميسور فهل أطالبه بالكثير لأن قيمتي من قيمة مهري أم أطلب منه مهرا رمزيا لأنني لست سلعة؟ خاصة ان لي قريبة مطلقة تزوجت بمهر بسيط وسرعان ما طلقت مرة ثانية وشعرت أن مهرها البسيط جعلها بلا قيمة لذلك طلقت مرة ثانية.. الحقيقة أنني مشوشة للغاية فهل يمكن مساعدتي في فهم هذه القضية
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ابنتي الكريمة وأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك في موقعك البوابة الالكترونية للاستشارات.
يا ابنتي، بالتأكيد المهر ليس ثمنًا للعروس كما يشيع ذلك التيار النسوي والعلماني في هجومه على التشريع الإسلامي الخاص بالأسرة.
العروس ليست منتجًا يتم تسليعه بحسب ما فيه من مواصفات ثم يوضع سعر له.. وتقييم وتقدير الفتاة بحسب ما يقدم لها من مهر نظرة تدل على حالة عميقة من الجهل المركب والغباء المستحكم، فإنسانية الفتاة لا توضع في سوق العرض والطلب ولا تُقيم بالمال، ولكن حالة الجهل في بعض البيئات هي ما تجعل من مهر العروس تقديرًا لقيمتها.
المهر والجدية
لماذا إذن شُرع المهر في الشريعة الإسلامية.. يُطلق على المهر في الشريعة اسم الصداق، وهي كلمة مشتقة من الصدق، أي أن المهر دلالة على صدق الرجل وجديته في الزواج، لذلك فلا حد لأقله وإن كان خاتمًا من حديد أو لأكثره وإن كان قنطارًا، وتُركت هذه النقطة للظروف المتغيرة.. طبيعة البيئة الاجتماعية.. الظروف المالية للرجل، وإن كان الشرع أوصى بالتيسير (أعظم النساء بركة أيسرهن صداقًا)، والتيسير أيضًا أمر نسبي، فما هو أمر عسير ومعقد بالنسبة لرجل هو أمر سهل يسير لغيره وهو متوسط محتمل لآخر، المهم هو الصدق والجدية.
الجدية التي اقتضت من نبي الله موسى أن يعمل دون أجر لمدة ثماني سنوات كمهر لعروسه ابنة الرجل الصالح في مدين، بل وأتم عامين إضافيين تقديرًا للفتاة ووالدها، فأتم الأجل عشر سنوات من العمل صداقًا للفتاة.
الرجل الذي طلب منه النبي ﷺ خاتمًا من حديد كان معدمًا لا يملك من حطام الدنيا شيئًا، لم يكن يملك إلا إزارًا دون رداء، والعروس التي طلبت الزواج كانت هي الأخرى كذلك انقطعت بها سبل الحياة حتى أنه لم يكن لها ولي خاص بها وكان مهرها هو تعليمه إياها بضع سور من القرآن.. ليس ثمنًا لها بالتأكيد، وإلا فكلام الله لا يُقدر بثمن، ولكن دلالة على الجدية والصدق، فالرجل ذهب وبحث في البداية ولم يجد من أهله ومن عائلته من يُقرضه حتى ثمن الخاتم من الحديد، وكاد أن ينصرف لولا أن النبي ﷺ أدرك حاجة هذه المرأة للزواج ولبيت وأسرة حتى لو كانت تحت خط الفقر.
مهر النبي
ولم يكن هذا هو المعتاد في العهد النبوي، فصداق النبي ﷺ لزوجاته كان 500 درهم فضة، وكان صداق بناته 400 درهم فضة، والعشرة دراهم في العهد النبوي كانت تساوي دينارًّا ذهبيًّا، أي أن مهر بنات النبي ﷺ كان 40 دينارًا ذهبيًّا، ومهر زوجاته 50 دينارًا، والدينار النبوي كان يزن 4.25 جم، أي أن مهر بناته كان حوالي 170 جرامًا ذهبيًّا، وكان مهر زوجاته حوالي 212.5 جرامًا ذهبيًّا.
بمرور الوقت انخفض سعر الفضة عن الذهب، ولكننا ندفع الزكاة وفقًا لنصاب الذهب، وبالتالي فلو أردنا التمسك بسنة النبي ﷺ فإن مهر العروس سيكون من 170 جرامًا لـ 212.5، وهو ما يعادل العمل المجهد الذي قام به نبي الله موسى لمدة 10 سنوات، فهل ما يتم شراؤه من ذهب وما يكتب كمؤخر وما يتم كتابته في القائمة من أشياء اشتراها الرجل يوازي هذا المبلغ؟!
الرؤية الموضوعية
يا ابنتي، أنا أكتب لك هذا الكلام وأنا أم لشاب وأم لفتاة في سن الزواج ولن أنحاز لابنتي وأعسر الحياة على ابني، ولن أنحاز لابني وأظلم ابنتي، وبالتالي فأنا أكتب هذا الكلام بموضوعية تامة؛ لأن الأهم من ابني وابنتي هذا الدين الذي يتم تشويه مفاهيمه وتشريعاته والنظر لها بعين عوراء.
كلنا مع تيسير الزواج لأبسط حد ممكن، وسوف تجدين في هذا الموقع الكثير من الاستشارات بهذا المعنى ، لكن في الوقت ذاته لا بد من الحفاظ على الجدية والصدق وبذل الجهد في تقدير الفتاة؛ لأن هناك تيارًا ذكوريًّا يحرض الشباب على دفع مهر بسيط للغاية حد التفاهة (خاصة لو كانت العروس مطلقة أو أرملة)، ليس لأن العروس ليست سلعة، فالتقييم الذكوري يعتمد فعليًّا على السوق ويستخدم مصطلحاته، فرفض المهور العالية يرفق به شعار مثل "خليها تعنس"، كما أن رفض ارتفاع اسعار السيارات يرفق به شعار "خليها تصدي"، وهم يستخدمون مصطلحات قاسية جدًّا في التنمر على المطلقة أو الأرملة التي تطلب مهرًا يرونه مرتفعًا بعض الشيء حتى لو كان أقل بكثير مما تطلبه البكر.
إنهم الصورة العكسية المتطرفة للمبالغة في المهور في بعض البيئات والصورة العكسية للمساواة التي يطالب بها التيار النسوي، وفي الوقت ذاته هم أيضًا صور عكسية لمقاصد الشريعة فيما يخص الزواج والأسرة.
أنت وقريبتك
ابنتي الغالية، كنت أحاول إضاءة بعض النقاط المرتبطة بفلسفة المهر في الشريعة الإسلامية من جهة وتطبيقات الناس على أرض الواقع من جهة ثانية كي يكون لديك الوعي الكافي.. أنت إن جاءك خاطب جيد ترضين خلقه ودينه وترضى عائلتك عنه وشعرت بالارتياح له وكان بوجه عام يكافئك في التعليم والمستوى الاجتماعي والثقافي ونحو ذلك، فتوكلي على الله واقبليه بعد أن تصلي صلاة الاستخارة، واطلبي من المهر ما يستطيع أن يقدمه بالفعل دون غلو يجعله يستدين ويعاني ودون تساهل مخل يجعله لا يشعر أنه بذل لأجلك شيئًا ذا قيمة.
لا أدري ملابسات طلاق قريبتك للمرة الثانية، وبالتالي لا يمكننا الجزم بسبب طلاقها الحقيقي، ولا أريد للقلق أن يساورك بسبب تجارب الآخرين، فلكل إنسان قصته الخاصة.. توكلي على الله عز وجل وتفقهي في دينك حتى يطمئن قلبك، ولا تترددي في الكتابة لنا مرة أخرى.. رزقك الله الزوج الصالح والأسرة المستقرة.
روابط ذات صلة: