الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : قضايا معاصرة
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
321 - رقم الاستشارة : 2027
24/05/2025
هل يُعد استخدام البرامج المقرصنة (المسروقة) حرامًا؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فالسائل الكريم قد أجاب عن السؤال، فهو يصف البرامج المقرصنة بأنها مسروقة، ولا يمكن أن نقول السرقة حرام أو حلال، لكن السؤال الصحيح هل هذه سرقة أم لا؟ وإذا كانت سرقة هل توجب القطع حدًّا أم لا؟
وأبادر فأقول؛ إن المجامع الفقهية المعاصرة قد اعتبرت الحقوق المعنوية مثل حقوق الابتكار والاختراع والتأليف والترجمة والاسم التجاري والعلامة التجارية، كل ذلك اعتبرته حقوقًا مالية لها قيمتها، ويحرم الاعتداء عليها.
وليس كل اعتداء على المال يعتبر سرقة توجب الحد، فالغصب اعتداء على المال وهو حرام شرعًا لكنه لا يعتبر سرقة توجب الحد.
والسرقة التي توجب الحد عرّفها الفقهاء شرعًا: أخذ مال الغير خفية ظلمًا من حرز مثله بشروط معينة.
والاعتداء على الحقوق المعنوية، وإن لم تتوافر فيه شروط السرقة لكنه اعتداء على المال، اللهم إن كانت هذه الدولة محاربة للمسلمين معتدية على أموالهم أو دمائهم أو مقدساتهم، أو أن يكون مستعمل هذا البرنامج مضطرًا إلى استعماله ولا يجد ما يشتري به هذا البرنامج، فالضرورات تبيح المحظورات، والضرورة تقدر بقدرها.
وقد جاء قرار المجمع في هذا الموضوع على النحو التالي:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا ونبينا محمد. أما بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 12 رجب 1406هـ إلى يوم السبت 19 رجب 1406هـ. قد نظر في موضوع حقوق التأليف لمؤلفي الكتب والبحوث والرسائل العلمية:
وانتهى المجلس بعد المناقشة المستفيضة إلى القرار التالي:
1. أن الكتب والبحوث قبل ابتكار طرق النشر بالمطابع التي تخرج منه الآلاف المؤلفة من النسخ، حين لم يكن في الماضي وسيلة لنشر الكتاب إلا الاستنساخ باليد، وقد يقضي الناسخ سنوات في استنساخ كتاب كبير ليخرج منه نسخة واحدة كان الناسخ إذ ذاك يخدم العالم المؤلف حينما ينسخ بقلمه نسخة أو عدة نسخ لولاها لبقي الكتاب على نسخة المؤلف الأصلية معرضًا للضياع الأبدي إذا تلفت النسخة الأصلية فلم يكن نسخ الكتاب عدوانًا على المؤلف واستثمارًا من الناسخ لجهود غيره وعلمه، بل بالعكس كان خدمة له وشهرة لعلمه وجهوده.
2. أما بعد ظهور المطابع، فقد أصبح الأمر معكوسًا تمامًا، فقد يقضي المؤلف معظم عمره في تأليف كتاب نافع، وينشره ليبيعه فيأخذ شخص آخر نسخة منه فينشرها بالوسائل الحديثة طبعًا أو تصويرًا، ويبيعه مزاحمًا مؤلفه ومنافسًا له، أو يوزعه مجانًا ليكسب بتوزيعه شهرة فيضيع تعب المؤلف وجهوده، ومثل ذلك يقال في المخترع. وهذا مما يثبط همم ذوي العلم والذكاء في التأليف والاختراع حيث يرون أن جهودهم سينهبها سواهم متى ظهرت ونزلت الميدان، ويتاجر بها منافسًا لهم من لم يبذل شيئًا مما بذلوه هم في التأليف أو الابتكار. فقد تغير الوضع بتغير الزمن وظهور المستجدات فيه، مما له التأثير الأساسي بين ما كان وما صار، مما يوجب نظرًا جديدًا يحفظ لكل ذي جهد جهده وحقه. فيجب أن يعتبر للمؤلف والمخترع حق فيما ألّف أو ابتكر، وهذا الحق هو ملك له شرعًا لا يجوز لأحد أن يسطو عليه دون إذنه، وذلك بشرط أن يكون الكتاب أو البحث ليس فيه دعوة إلى منكر شرعًا، أو بدعة أو أي ضلالة تنافي شريعة الإسلام، وإلا فإنه حينئذ يجب إتلافه ولا يجوز نشره.
وكذلك ليس للناشر الذي يتفق معه المؤلف ولا لغيره تعديل شيء في مضمون الكتاب أو تغيير شيء دون موافقة المؤلف، وهذا الحق يورث عن صاحبه ويتقيد بما تقيده به المعاهدات الدولية والنظم والأعراف التي لا تخالف الشريعة، والتي تنظم هذا الحق وتحدده بعد وفاة صاحبه تنظيمًا وجمعًا بين حقه الخاص والحق العام، لأن كل مؤلف أو مخترع يستعين بأفكار ونتاج من سبقوه ولو في المعلومات العامة، والوسائل القائمة قبله.
أما المؤلف أو المخترع الذي يكون مستأجرًا من إحدى دور النشر ليؤلف لها كتابًا، أو من إحدى المؤسسات ليخترع لها شيئًا لغاية ما، فإن ما ينتجه يكون من حق الجهة المستأجرة له، ويتبع في حقه الشروط المتفق عليها بينهما مما تقبله قواعد التعاقد.
والله تعالى أعلى وأعلم