الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
51 - رقم الاستشارة : 1807
03/05/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا أم لولد في سن المراهقة، والله أكتب لكم وقلبي يؤلمني مش لأني بس مضايقة لكن لأني بدأت أشك في نفسي وفي تربيتي وفي صورتي قدام ابني اللي ربيته بعناية وبحب كبير.
من فترة بدأت ألاحظ حاجات غريبة ومؤذية جدًا منه نظرات استهزاء نبرات تقليل ردود مستفزة وكأنه مش بس بيرد لكنه بيكسر حاجة جوايا، كل مرة يتكلم بتكلمه بنية صافية وهو بيرد كأني عدوه، أوقات بيرمقني بنظرة فيها سخرية جامدة وكأنه بيقول انتي مش فاهمة انتي لا شيء مرة كنت بنبهه بلطف عن ترتيب غرفته رد بنظرة تهكم وكلمة قاسية حسيت إني مش أم حسيت إني مجرد مصدر إزعاج.
في البداية كنت بانفعل بزعل بعيط أوقات بصرخ، لكن مؤخرا اخدت قرار قرار ارجع احترامي لنفسي وابتديت أهجره أوقف الحوار معه لأيام لما تكون نبرته ساخرة وساعات بسيب الغرفة اللي يكون قاعد فيها، بس جوايا ألف سؤال هو ليه بيعمل كده أصلا هل ده طبيعي في سن المراهقة هل أسلوبي في الرد كده صح وهل اللي أنا بعمله ممكن يعيد العلاقة ولا أنا كده بسيب مساحة أكبر للعناد والبعد.
أنا مش عايزة أخسره بس كمان مش عايزة أتحول لحد بيتسحق نفسيًا قدامه يا ريت تساعدوني تفهموني ابني وتوروني الطريق اللي يخليني أرجع العلاقة بيننا على احترام وحب وجزاكم الله خيرًا
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أيتها الأم الكريمة الصابرة،
لقد قرأت رسالتك المؤلمة بعين التقدير والاحترام، واستشعرت فيها قلبًا أموميًّا نقيًّا مجروحًا من أعزّ الناس عليه.. ولدِك الذي حملته قلبًا وقالبًا وربّيته بحبٍّ وحرصٍ بالغ، فإذا بكِ تواجهين منه في هذه السن الحرجة ما لم تكوني تتوقعينه.
اسمحي لي بداية أن أطمئنك، فما تمرّين به من مشاعر القهر والتشوش والخذلان أمام تصرفات ابنك هو أمر مفهوم وطبيعي، بل تمر به كثير من الأمهات مع أبنائهن في مرحلة المراهقة (Adolescence)، تلك المرحلة التي تُعَدُّ في علم النفس التربوي من أكثر المراحل اضطرابًا في البناء النفسي والاجتماعي والسلوكي للفرد، حيث يسعى فيها المراهق إلى الاستقلال النفسي، ويبدأ في "إعادة تعريف ذاته، واختبار الحدودAuthority Testing "، فيُخطئ كثيرًا قبل أن ينضج.
لكن ما يؤلم في حالتك هو أن هذا البحث عن الذات جاء مغطّى بغلاف من السخرية والجفاء والقسوة، وهذا ما لا يجب السكوت عنه، لا من باب الانتقام أو العقاب، بل من باب الحماية النفسية المتبادلة.
* وإليكِ حبيبتي خطوات تربوية نفسية عملية، تعيد بناء العلاقة بينكما على أسس من الحب والاحترام المتبادل بإذن الله :
أولاً: افهمي ما وراء سلوكه ولا تكتفي بالشكل الظاهري..
فإن ما يظهر من نظرات التهكم والكلمات القاسية ما هو إلا أعراض سطحية، تُخفي وراءها مشاعر داخلية متخبطة قد تكون من الغضب، أو القلق، أو حتى الإحساس بالعجز.
المراهق -يا عزيزتي- غالبًا لا يقصد الإيذاء، ولكنه لا يحسن التعبير عن نفسه في ظل الاندفاع الانفعالي، ونقص مهارات التواصل.
ثانيًا: لا تهجريه.. بل غيّري إستراتيجية التواصل..
أسلوب الهجر أو تجاهل الحديث قد يظنه المراهق نوعًا من الرفض الكامل، فيؤدي إلى مزيد من الجفاء. لكن ما تحتاجينه هو ما يُعرف تربويًّا بـ"إعادة ضبط العلاقة" أو الـ (Relationship Reset)، ويشمل الآتي:
- إيقاف الحوار لحظيًّا دون هجر طويل، مع تنبيه لفظي حازم: "سأتحدث معك عندما تهدأ نبرتك؛ لأن الاحترام بيننا مهم".
- تقصير فترة الغضب، والتقارب سريعًا بكلمة طيبة، أو نظرة حنونة، أو مشاركة بسيطة في أي أمر يحبه، ولكن مع إظهار أنك ما زلت مستاءة من تصرفه، فهذا يُعزِّز الأمان العاطفي (Emotional Safety) لديه، مع فهم أنك الملاذ الأول له لكن مع الحفاظ على تقديرك ومكانتك.
ثالثًا: احفظي مكانتك النفسية ولا تتنازلي عنها..
من المهم أن يدرك ابنك أن لكِ كيانًا وحدودًا نفسية، لا يجوز التعدي عليها. وبدلًا من الصراخ أو الانهيار، استخدمي أسلوب "التوجيه الحازم الهادئ" (Firm but Calm Correction)، فعندما يتلفظ بكلمة جارحة، قولي: "كلماتك جارحة، وأنا أستحق الاحترام. نكمل الحديث لاحقًا."
لا تسمحي لنفسك بأن تُمحى في سبيل استرضائه؛ فالأم التي تربي بذُلٍّ داخلي مستمر، تُربي ابنًا لا يشعر بكرامتها، ولا بثمن حبها وتضحياتها.. وقد قال رسول الله ﷺ: "رحم الله والدًا أعان ولده على بره".
رابعًا: ابحثي عن "جذور العلاقة" واعملي على ترميمها..
فقد تكون هناك تراكمات من الماضي، أو سوء فهم، أو شعوره أنكِ لا تفهمينه.. فحاولي:
- تخصيص وقت أسبوعي لكما فقط، دون توجيه أو نقد، بل للاستماع والمشاركة.
- مدحه في صفاته الإيجابية مهما كانت قليلة، فهذا ينعش صورته الذاتية الإيجابية.
خامسًا: استعيني بالله... ولا تفقدي الأمل..
أنتِ لستِ أُمًّا فاشلة، بل أم مُنهَكة من الحب والعطاء، تحتاج فقط إلى صبرٍ آخر وثقة جديدة في الله ثم في نفسك.
استمري في الدعاء، ففي الحديث: "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد لولده..."
واذكري دائمًا قول الله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}؛ فالتربية جهاد يحتاج إلى اصطبار، أي صبر مستمر واعٍ.
* وهمسة أخيرة لقلبك حبيبتي:
ابنك وإن تغيّر، فهو ما زال قطعة من قلبك، لكنه الآن يحتاج لأم قوية من الداخل، حنونة في المظهر، ثابتة في الموقف، تزرع الرحمة دون أن تُهدر كرامتها.
أنتِ على الطريق الصحيح ما دمتِ تتألمين وتتساءلين، فقط بدّلي أدواتك.. وسيعود لكِ بإذن الله تعالي، بل سيكون أكثر نضجًا مما تتصورين.. فهي فترة عصيبة وليست بالقصيرة، ولكنها غير دائمة، فأبشري بصلاح حاله ما دمتي تدعين له مع الأخذ بالأسباب.
أنتِ لستِ وحدكِ، والله معكِ، بارك الله لك فيه وأصلح أحواله وجعله قرة عين لك.