الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : الأطفال
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
5 - رقم الاستشارة : 3121
29/10/2025
يا دكتورة، أنا أمّ عندي ولدين، الكبير عنده ٨ سنين والصغير ٥. من أول ما بدأ الصغير يتكلم ويتحرك، وأنا ملاحظة إنه بيقلّد أخوه الكبير في كل حاجة! يعني كل كلمة يقولها الكبير، يكررها، وكل حركة يعملها يقلده فيها، حتى لو كانت غلط. ساعات بحس إنه مش عنده شخصية مستقلة خالص، وكأنه نسخة من أخوه!
بصراحة أنا بقيت قلقانة جدًا، خايفة يكبر وهو دايمًا تابع ومش بيعرف يختار أو يعبر عن نفسه، فهل الوضع ده طبيعي؟ وليه بيحصل كده؟ وإزاي أقدر أساعده يكون ليه شخصية مستقلة عن أخوه؟
أيتها الأم الكريمة، ما تصفينه أمر شائع جدًّا بين الإخوة، خصوصًا عندما يكون الفارق العمري بينهما بسيطًا كما في حالتك. فالأخ الأصغر عادةً يرى في أخيه الأكبر النموذج الذي يتعلم منه السلوك، والكلام، والتفاعل الاجتماعي، ويعدّه مرجعًا للأمان والانتماء والتقليد، وخاصة إن لم يجد أطفالاً غيره، فاطمئني سيستقل عنه بالتدريج، ولكن هيئي له المساحة لذلك.
التعلُّم الرصدي
إن ما يحدث مع طفلك الأصغر يُسمى في علم النفس التربوي بـ "التعلُّم الرصدي" (Observational Learning)، وهو جزء من نظرية العالم ألبرت باندورا (Bandura)، التي تشرح كيف يكتسب الطفل السلوك من خلال التقليد والرصد والملاحظة لا من خلال التلقين المباشر. فطفلك لا يقلّد فقط حبًّا في التقليد، بل لأنه يحاول الانتماء والتماهي (Identification) مع النموذج الأقرب إليه، أي أخيه الأكبر، الذي يشكّل له عالمًا صغيرًا من الخبرة والسلطة والمكانة داخل الأسرة.
لكن ما يقلقك ــ وهو خوفك من أن يصبح تابعًا أو بلا شخصية مستقلة ــ أمر يمكن الوقاية منه بسهولة إذا تعاملتِ معه بحكمة.
فالتقليد في بداياته ليس ضعف شخصية، بل مرحلة من مراحل تكوينها، إذ يتعلّم الطفل من خلالها المهارات، ثم يبدأ تدريجيًّا في بناء هويته الخاصة. غير أن هذه المرحلة تحتاج دعمًا تربويًّا سليمًا حتى لا تتحول إلى اعتماد مفرط.
إرشادات عملية
ولكي تساعدي طفلك على الاستقلالية النفسية، إليك بعض الإرشادات العملية:
1- امنحيه فرصًا للاختيار:
دعيه ليختار ملابسه، أو طعامه، أو لعبته، حتى لو اختياره لم يعجبك أحيانًا، فذلك يُنمّي لديه إحساس المسؤولية الذاتية (Self-Responsibility).
2- ميّزيه عن أخيه بمهامه ومدحه: امدحيه على صفات تخصّه هو وحده، قولي له: "أنت عندك خيال جميل"، أو "طريقة كلامك لذيذة"، حتى يشعر أنه مميز لا نسخة مكرّرة.
3- قلّلي المقارنات:
مثلا لا تقولي له: "شوف أخوك بيعمل إيه!"؛ لأن المقارنة تُرسّخ التبعية وتضعف الثقة بالنفس.
4- امنحي الكبير دور القدوة الواعية:
شجّعي الأخ الأكبر أن يكون نموذجًا إيجابيًّا وأن يشعر بالمسؤولية تجاه أخيه، لا بالتسلّط عليه.
5- أكثري من الأنشطة الفردية: خصّصي وقتًا لكل طفل على حدة، ليتحدث معك ويعبّر عن أفكاره دون أن يُطغى عليه أخوه.
إن بناء الشخصية المستقلة يحتاج إلى بيئة تسمح بالتعبير عن الذات، وتشجّع على التجريب دون خوف من الخطأ.
وتذكّري قول الله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾، إشارة إلى أن كل إنسان مكلّف ومسؤول عن نفسه، وله بصمته الخاصة، وإن كانت البداية محاكاة للآخرين.
همسة أخيرة:
ثقي أن حبّك ووعيَك ورعايتك العاقلة سيقودانه بإذن الله نحو شخصية متوازنة، مستقلة، وواثقة من ذاتها.