التعويض أم رد الحق أولى في العدل بين الأبناء؟!!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : الأطفال
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 218
  • رقم الاستشارة : 2484
26/08/2025

بسم الله الرحمن الرحيم، المسشارة الفاضلة، أرجو منكم تقديم المشورة في مشكلة تواجهني مع زوجتي تتعلق بالعدل بين أبنائي. لدي ولدان: كريم وعاصم. اشتكى كريم من أخيه عاصم، حيث أخذ عاصم منه حصة من الحلوى. قامت زوجتي بحل المشكلة بتوجيه كريم لشراء قطعتين حلوى بدلًا مما أخذه عاصم، مما يعني أن كلا منهما أصبح يمتلك قطعتين.

شعور عاصم بالظلم أثار قلقي. أوضحت لزوجتي خطأ هذا الحل لعدة أسباب: التعويض المادي لا يكفي لحل مشكلة الظلم، فالشعور بالظلم يبقى مما قد يؤدي إلى استمرار الحقد. العدل أهم من التعويض المادي، فالمظلوم يحتاج إلى الاعتراف بحقه وتصحيح الظلم، وليس مجرد تعويض. عدم ردع الظالم يشجعه على تكرار فعله.

ذكرت لزوجتي قصة عمر بن الخطاب والقاضي كمثال على العدالة، لكنها اعتبرت الأمر بسيطًا لأنه يتعلق بالأطفال. أرجو منكم تقديم نصائح تربوية تساعدني على حل هذه المشكلة وتعليم زوجتي كيفية التعامل مع مثل هذه المواقف بصورة عادلة وتربوية صحيحة. جزاكم الله خيراً.

الإجابة 26/08/2025

أخي الفاضل،

 

بارك الله فيك على وعيك وحرصك على تربية أبنائك تربية قائمة على العدل والإنصاف، فليس كل أب ينتبه لمثل هذه التفاصيل الدقيقة، لكنك ـ بحمد الله ـ تدرك أن مشاعر الطفل في صغره تؤسس لبناء شخصيته في كبره.

 

وسوف أضع بين يديك الأمر من زاويتين: تربوية نفسية، وشرعية أخلاقية:

 

أولًا: من المنظور التربوي النفسي:

 

1- فالعدل النفسي أهم من التعويض المادي..

 

وفي علم النفس التربوي يُسمى هذا perceived fairness الإحساس بالعدل. الطفل إذا شعر أن حقه لم يُرد، فمهما قدّمت له من بدائل، يبقى داخله شعور بالظلم، وهذا الشعور قد يتطور إلى حقد وكراهية، أو sibling rivalry تنافس سلبي بين الإخوة.

 

2- وهنا وجب تصحيح الخطأ أفضل وقبل التعوض..

 

التعويض المادي دون رد الحق يربي عند الطفل مفهومًا مغلوطًا هو أن "الخطأ يمكن شراء نتائجه". بينما الصواب أن يُوجّه الطفل المخطئ للاعتراف بخطئه، ورد ما أخذه، أو الاعتذار ليبني داخله المسؤولية الأخلاقية.

 

3- كذلك الردع العادل يحد من التكرار..

 

فعندما يرى الطفل أن فعله لم يواجه بتصحيح واضح، فقد يتطور الأمر إلى تعزيز للسلوك السلبي. والواجب أن تكون التربية متسقة وجلية، بحيث يفهم الأبناء أن الظلم مرفوض على أي مستوى.

 

ثانيًا: من الناحية الشرعية والبعد القيمي الأخلاقي:

 

قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾، والعدل يبدأ من البيت، فكما أن الآباء مطالبون بالعدل بين الأبناء في العطايا، فهم مطالبون بالعدل في إدارة الخلافات.

 

وكذلك قال رسول الله ﷺ: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم".. وهذا توجيه مباشر إلى ضرورة المساواة وعدم تفضيل أحدهما بغير حق.

 

وقصة سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- التي أشرتَ إليها، شاهدة على أن العدل قيمة لا تحتمل التفريط، حتى في أبسط المواقف.

 

ثالثًا: وبعد كل ما ذكرته لك، فأهدي لكم بعض الخطوات العملية التي قد تساعدكم في حسم الخلافات بأسلوب تربوي إن شاء الله:

 

1- إعادة الحق أولًا:

 

على عاصم أن يُعيد قطعة الحلوى التي أخذها، أو يعتذر ويعوِّض أخاه بطيب نفس، ليشعر كريم بأن حقه قد عاد. ونقيس على هذا الموقف ما يحدث بعده من مواقف بين الشقيقين.

 

٢- ضرورة الحوار التربوي:

 

اشرح لعاصم بلغة بسيطة أن أخذ حق الغير يجرح قلب أخيه، وأن الاعتذار يزيده كرامة.

 

3- تعزيز الاعتراف بالخطأ:

 

امدح عاصم إن اعترف بخطئه، فهذا يُشجعه على تحمل المسؤولية مستقبلًا.

 

4- بكل حب ومودة اشرح لزوجتك الموقف التربوي السليم:

 

وضِّح لها أن الهدف ليس إسكات المشكلة مؤقتًا، بل بناء ضمير الطفل على العدالة وتحمل المسؤولية.

 

5- ولا تغفل تأثير استخدام القصص والقدوة:

 

فيمكنك أن تروي للأبناء قصصًا قصيرة من السيرة النبوية المشرفة حول رد الحقوق، ليشبّوا على قيمة العدل.

 

6- كما أوصيك أخي الكريم بزوجتك..

 

فلا تنس أنها أمهما، وتصرفها كان بدافع حبها لهما، ونابع من نية طيبة في تهدئة الموقف، فهى حين حاولت تعويض أحدهما فكانت تقصد العدل أيضًا، لكن عدم انتباهها لرد حق الأخر أولا، فربما يرجع لخبرتها البسيطة أو أنها تحاول منعهما من الاشتباك.. حتى وإن كان ـ تربويًّا ـ لا يعالج الجذر.

 

وليس عيبًا، بل من الجيد أن تتعلما معا كيفية التربية السليمة لصالح أبنائكما.

 

الحل الصحيح أن نعلّم أبناءنا أن العدل أسبق من التعويض، وأن رد الحق أهم من شراء الصمت. وبهذا نبني فيهم ضميرًا حيًّا يزن الأمور بميزان الحق، لا بميزان المكاسب.

 

* همسة أخيرة:

 

لا تستهينوا بهذه المواقف الصغيرة، فإنها اللبنات الأولى لشخصية عادلة أو شخصية ظالمة.

 

بارك الله لكما في كريم وعاصم وجعلهما الذرية الصالحة البارة.

الرابط المختصر :