أعيش صراعًا مع ابن زوجي بتحريض من أمه!!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : الأطفال
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 30
  • رقم الاستشارة : 3024
20/10/2025

السلام عليكم د.أميمة..

تزوجت منذ عام تقريبًا من رجل مطلق، يكبرني بعشر سنوات، ولديه ابن في العاشرة من عمره كان يعيش مع والدته بعد الطلاق، لكن منذ خمسة أشهر أرسلته والدته ليعيش معنا. منذ قدومه إلى بيتنا تغيّر كل شيء؛ فهو شقي جدًا، لا يسمع الكلام، يفتعل المشكلات، ويكسر الأشياء، ويقاطع حديثي مع والده متعمّدًا، كما لاحظت أنه يكرر عبارات تُشعرني أن أمه تلقّنه إياها لتثير بيننا الخلاف، كأن يقول لي "أمي قالت إنك لا تحبينني" أو "أمي قالت إنك أخذت أبي مني".

أنا أحاول أن أتعامل معه بحنان وصبر، لكن تصرفاته المستفزة تُتعبني نفسيًا وتؤثر في علاقتي بزوجي، خصوصًا أنه أحيانًا يبرر سلوك ابنه بأنه "صغير ويتأثر بظروف الطلاق".

صرت أشعر أني غريبة في بيتي، وأخاف أن يتحول الأمر إلى نفور أو كره بيني وبين الطفل أو حتى بيني وبين زوجي، فكيف أتعامل معه بحكمة دون أن أكون قاسية، ودون أن أخسر راحتي أو مكانتي كزوجة؟

الإجابة 20/10/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

أختي الكريمة،

 

أول ما أود أن أهنئك عليه هو سعة صدرك ووعيك في عرض المشكلة، وقدرتك على التمييز بين السلوك الصادر من الطفل وبين الدوافع الخفية وراءه، فهذه بداية ناضجة ومبشرة.

 

وسوف أضع أمامك المشهد التربوي والنفسي من منظور علم النفس الأسري Family Psychology، لنفكك أبعاد الموقف قبل أن نضع الحلول الواقعية بإذن الله تعالى.

 

أزمة التكيف الأسري بعد الطلاق

 

أولًا: هذا الطفل يعيش أزمة نفسية مركبة، تعرف في علم النفس التربوي باسم "أزمة التكيف الأسري بعد الطلاق" (Post-Divorce Family Adjustment Crisis)، إذ يجد نفسه متنقلًا بين بيئتين متعارضتين في المشاعر والتوجهات، الأم التي تشعر بالفقد وتحاول أن تبقي تأثيرها على الطفل، والأب الذي بدأ حياة جديدة، وزوجة الأب التي تمثل بالنسبة له – في وعيه الطفولي – "البديل" عن أمه.

 

من الطبيعي إذًا أن يُظهر سلوكيات عدوانية، كالعناد، والمشاكسة، والمقاطعة، ومحاولات جذب الانتباه. هذه ليست دليل سوء تربية بالضرورة، وإنما "سلوك تعويضي" (Compensatory Behavior) ناتج عن مشاعر الغيرة والخوف من فقد الحب والانتماء.

 

البرمجة الانفعالية السلبية

 

ثانيًا: تدخّل الأم البيولوجية في تهييج الطفل ضدك يُعدّ نوعًا من "البرمجة الانفعالية السلبية" (Negative Emotional Conditioning)، وهو ما يجعل الطفل يتعامل معك من منطلق دفاعي لا شعوري، كأنك "خصم" يجب مقاومته، لا شخصًا يمكنه الأمان بجواره. لكن في المقابل، يمكنك قلب المعادلة بتدرّج حكيم.

 

خطوات عملية تربوية ونفسية

 

سأضع لك خطوات عملية تربوية ونفسية مدروسة:

 

1- افصلي بين مشاعرك وسلوكه:

 

عندما يُثيرك الطفل أو يوجّه عبارات مؤذية، تذكّري أن ما يقوله ليس نابعًا من ذاته بل من رسائل مزروعة في وعيه. تجاهلي ما يُقال بتعقّل دون انفعال، فالاتزان العاطفي لديك هو ما يُعيد توازنه هو لاحقًا. يقول تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾.. هذه الآية قاعدة ذهبية في التربية قبل أن تكون مبدأ أخلاقيًّا.

 

2- ابني علاقة آمنة معه:

 

في علم النفس التربوي يُسمّى هذا بـ"Secure Attachment Formation"، أي بناء ارتباط آمن. اعملي على كسب ثقته عبر مواقف صغيرة، لا عبر المواعظ.

 

قدّمي له اهتمامًا حقيقيًّا دون شرط، كأن تسأليه عن يومه، وتشاركيه نشاطًا بسيطًا يحبه. كل مرة يشعر فيها أنك لا تُنافسينه على والده، بل تمنحينه الأمان، تُضعف الرسائل السلبية التي يتلقاها من أمه.

 

3- احرصي على توحيد الموقف التربوي مع والده:

 

في النظام الأسري التربوي، من أخطر أسباب اضطراب سلوك الطفل هو "ازدواج السلطة التربوية".

 

اتفقا على قواعد واضحة وثابتة، تُطبق منكما معًا بهدوء وعدل. لا تتركي الزوج يُبرر سلوك ابنه في كل مرة، بل اجعليه يرى أن التساهل غير التربوي يؤذي الطفل نفسه، لأنه يُربكه ويُشعره بأنه فوق النظام الأسري.

 

4- احترمي الأم الغائبة دون تبرير أفعالها:

 

حين يذكر الطفل أمه بسوء أو يردد كلامها المؤذي، لا تدخلي في صراع. بل اكتفي بعبارة حازمة وهادئة مثل: "أمك تبقى أمك، ونحن نحب أن نتحدث عنها بكل خير".

 

هذه الرسائل تُسقط سلاح المقارنة وتُربي الطفل على الاحترام دون أن تضعي نفسك في موقع خصومة، وكذلك تؤجرين عليها إن شاء الله.

 

5- احمي علاقتك بزوجك من الاستنزاف:

 

احرصي على أن تكون بينكما جلسات خاصة للحوار الهادئ، بعيدًا عن الطفل، لتعبّري له عن مشاعرك بلغة "أنا" لا "أنت".

 

قولي له مثلًا: "أنا أشعر بالضغط عندما لا نجد حلاً مشتركًا لتصرفات ابنك، وأتمنى أن نتعاون كفريق واحد من أجل راحة الجميع".

 

هذه اللغة تُسمّى في علم النفس الأسري "لغة التواصل البنّاء" (Constructive Communication Language)، وهي تُقلل من النزاعات الزوجية وتُنمّي التعاطف المتبادل.

 

٦- التوازن بين الحزم والحنان:

 

لا تكوني قاسية ولا متساهلة، الحزم التربوي يُبنى على قاعدة: الخطأ مرفوض، لكن الطفل مقبول دائمًا.

 

قال رسول الله ﷺ: «ما كان الرِّفق في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه»، فاجعلي اللين سمتك، ولكن دون أن تُهملي وضع الحدود السلوكية.. فلا تكن صلبا فتكسر ولا لينا فتعصر.

 

وأخيرًا، يا حبيبتي، تذكّري أن التغيير في مثل هذه الحالات لا يأتي سريعًا، بل عبر "التدرج الانفعالي الإيجابي" (Positive Emotional Gradualism)، أي تراكم المواقف الصغيرة التي تبني الثقة شيئًا فشيئًا.

 

فاصبري واحتسبي، وادعي الله أن يجعل محبتك في قلب هذا الطفل كما وضع محبتك في قلب أبيه، كما قال سبحانه: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾.

 

* همسة أخيرة:

 

إنك الآن لا تُربين ابن زوجك فحسب، بل تُربين في نفسك مدرسة صبرٍ ونضجٍ نفسيّ عميق. استمري، فالله يُزكي القلوب الصابرة، ويُكافئ كل مَن أصلح ولم يُفسد. أعانك الله.

 

 

روابط ذات صلة:

كيف أُصبح أُمًّا محبوبة لابنة زوجي؟!

الرابط المختصر :