الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : الأطفال
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
59 - رقم الاستشارة : 3069
25/10/2025
ابني عمره تسع سنوات، ومنذ فترة بدأت ألاحظ عليه خوفًا شديدًا من أي شيء يتعلّق بالتطعيمات أو الحقن. كلّما سمع أننا سنتلقّى التطعيمات بالمدرسة، يدخل في حالة من الفزع والهلع، حتى لو كان التطعيم بسيطًا أو عن طريق الفم.
يبدأ بالصراخ والبكاء، ويرفض تمامًا الذهاب إلى المدرسة في ذلك اليوم، بل أحيانًا يفزع من نومه ليلاً عندما يتذكّر الموضوع، ويظلّ يسألني بخوف: (هو في تطعيم بكرة؟ هيؤلموني؟).
حاولتُ كثيرًا تهدئته بالكلام والشرح، وأخبرته أنّ الأمر بسيط ولا يستدعي هذا الخوف، لكنّه لا يقتنع أبدًا.
أنا الآن خائفة عليه؛ لأنّ امتناعه عن التطعيمات قد يعرّضه لمشاكل صحيّة مستقبلًا، كما أخشى أن يتحوّل هذا الخوف إلى فوبيا من الأطباء أو أي موقف مشابه.
لا أعرف كيف أتعامل معه، ولا كيف أساعده على تخطّي هذا الخوف المفرط، وهل أُجبره على أخذ التطعيم أم أتركه حتى يهدأ من تلقاء نفسه؟ أرجو توجيهي، فأنا قلقة جدًّا عليه.
أيتها الأم الكريمة،
مشاعرك القلقة على ابنك محمودة، وهي نابعة من قلب أُم تخاف على صحة طفلها ونفسيته في الوقت نفسه، وهذا يدل على وعيك التربوي وحرصك الإنساني.
الخوف المرضي
ما يمرّ به ابنك ليس عنادًا ولا مبالغة، بل هو صورة من صور الخوف المرضي (Phobic Reaction) المرتبط بالمواقف الطبية، ويُعرف في علم النفس باسم Trypanophobia أي الخوف من الحقن والإبر.
إن هذا النوع من الخوف قد يتكون منذ الطفولة نتيجة تجربة مؤلمة سابقة، أو مشهدٍ مرعبٍ رآه لطفلٍ آخر يتألم، أو حتى من حديثٍ عابرٍ فيه تهديد مثل: "لو لم تسمع الكلام سيعطونك حقنة!"، فتترسخ الفكرة في اللاوعي (Subconscious Mind)، وتتحول إلى نمط انفعالي تلقائي كلما ذُكر التطعيم أو الطبيب.
التمييز بين الخوف الطبيعي والمرضي
وهنا، يجدر بنا أن نميز بين الخوف الطبيعي (Normal Fear) الذي يحمي الطفل من الخطر، والخوف المرضي (Irrational Fear) الذي يشل قدرته على التفكير الهادئ. وابنك يقع في الفئة الثانية، أي أنه لا يخاف الألم الحقيقي بقدر ما يخاف الفكرة ذاتها، وهذا ما يُسمّى في علم النفس التربوي بـ Cognitive Distortion أي تشوّه الإدراك المعرفي للموقف.
خطوات هادئة للعلاج
وهنا فالتعامل التربوي الصحيح مع حالته يتطلّب خطواتٍ هادئة ومتدرجة كالتالي:
1- لا بد من تهيئة معرفية وانفعالية:
تحدثي معه بلغة بسيطة وطمأنة، واشرحي له أن التطعيم ليس عقابًا بل حماية من الأمراض.
استعملي الصور والقصص التوضيحية التي تُظهر الأطفال وهم يتلقون التطعيم بابتسامة، فالعقل الطفولي يتعلم بالقدوة البصرية لا بالإقناع المجرد.
2- التعرض التدريجي (Gradual Exposure):
لا تُجبريه فجأة على أخذ الحقنة، بل عرضيه تدريجيًّا للفكرة، كأن تشاهدي معه فيديوهات لأطفال شجعان، أو زوري الطبيب فقط للسلام، دون أن يجري له أي إجراء. الهدف هنا هو إعادة بناء ارتباط إيجابي بين الطفل والبيئة الطبية.
3- استخدمي التعزيز الإيجابي (Positive Reinforcement):
امدحي شجاعته كلما تحدّث بهدوء عن الموضوع، وقدمي مكافأة رمزية عندما يُظهر تجاوبًا ولو بسيطًا. التشجيع أقوى علاجٍ للخوف عند الأطفال.
4- استبدلي بالألفاظ المهدّدة ألفاظًا مطمئنة:
لا تقولي "الحقنة ستؤلم"، بل قولي "ستشعر بوخزة خفيفة وتنتهي بسرعة". فالألفاظ تُكوّن الصور الذهنية، والطفل يعيش وفق ما يتصوره لا وفق ما هو واقعي.
5- اللجوء إلى الأمان الروحي:
علّميه أن يقول قبل التطعيم: "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء"، وذكّريه أن النبي ﷺ قال: "ما أنزل الله من داءً إلا وأنزل له دواء"، فالتطعيم من باب الوقاية التي أمر بها الدين، لا من باب الإيذاء.
6- المساندة النفسية أثناء الموقف:
لا تتركيه وحده يوم التطعيم، بل امسكي يده، ووجِّهي انتباهه لشيء آخر أثناء الحقن، كالتنفس العميق أو العدّ التنازلي أو حديثٍ لطيف. هذا ما يُعرف بأسلوب Distraction Technique أي "تشتيت الانتباه أو الإلهاء".
7- المتابعة النفسية عند اللزوم:
إن استمر الخوف رغم كل ذلك، فاستعيني بأخصائي نفسي للأطفال لتطبيق جلسات Cognitive Behavioral Therapy العلاج السلوكي المعرفي، وهو علاج فعّال جدًّا في مثل هذه الحالات.
وأخيرًا أيتها الأم الحنون، الخوف لا يُهزم بالقسوة، بل بالأمان والتكرار والاحتواء. فكوني له الحصن الهادئ، لا مصدر الضغط. ومع الوقت سيكتسب ثقةً تجعله يتجاوز هذا القلق ويستبدل به طمأنينة.
* همسة أخيرة:
الاحتواء النفسي هو اللقاح الأقوى ضد مخاوف الطفولة، فكل طفلٍ آمنٍ اليوم هو راشدٌ متوازنٌ غدًا.
روابط ذات صلة: