أمي تمنعني من ارتداء النقاب لسوء خلقي!!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : المراهقون
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 181
  • رقم الاستشارة : 2202
27/07/2025

أنا فتاة أحاول برّ والدتي ما استطعت، لكن أحيانًا أضعف وأقصر في معاملتي لها، ثم أندم كثيرًا. طلبت منها منذ فترة أن أرتدي النقاب، لكنها رفضت قائلة: "لا تلبسيه وأنتِ لستِ على خُلق حسن!"

كما حدث مؤخرًا موقف بين أختي وابنة عمتي، وتدخلت دفاعًا عن أختي، فغضبت عمتي من طريقة كلامي، واتهمتني بالفظاظة. حاولت تبرير الموقف لكني فقدت أعصابي وارتفع صوتي، فعاتبني الجميع على ردودي، وقالوا إنها جارحة.

أشعر أنني أُسيء لديني بسوء خلقي، خاصة أني أقرأ القرآن، وأخاف أن يقال: "تقرأ القرآن ولسانها حاد!"، وقد تبت إلى الله من هذا الأسلوب، وأريد أن أبدأ من جديد، لكن الموقف يؤلمني ولا أستطيع نسيانه.

كما أن أقاربي دائمًا يُظهرون حسن أخلاقهم، وتتم مقارنتي بهم كثيرًا، مما يسبب لي الغيرة أحيانًا، وهذا الشعور يؤذيني. فكيف أتحكم في مشاعري؟ وكيف أُصلح أخلاقي فعلاً، خاصة مع الأقربين؟

الإجابة 27/07/2025

جزاكِ الله خيرًا يا ابنتي على صدق مشاعرك واعترافك بالخطأ وطلبك للإصلاح، وهذه أولى درجات الهداية والتوفيق، فالنفس اللوّامة علامة حياة القلب.

 

أولاً: مشكلتك ليست في الأخلاق، بل في "إدارة الانفعالات"

 

ما وصفتِه من ردود أفعال وانفعالات لحظية، لا يعني أنك "سيئة الخلق"، وإنما يشير إلى صعوبة في ضبط الانفعال وتنظيم الذات (Self-Regulation)، وهي مهارة نفسية يمكن اكتسابها وتعلمها بالتدريب.

 

النبي ﷺ قال: "ليس الشديدُ بالصُّرَعة، إنما الشديدُ الذي يَملك نفسه عند الغضب". وهنا بيت القصيد: لستِ سيئة، بل تمرين بلحظات ضعف بشريّة، وندمك الصادق بعدها دليل على صفاء نيتك.

 

ثانيًا: كيف تحسنين من ضبط نفسك وأخلاقك؟

 

1- فهم النفس وقت الانفعال: عندما تواجهين موقفًا مستفزًّا، استشعري أن هناك جزءًا في الدماغ يُسمى اللوزة الدماغية، مسؤول عن الغضب والخوف، وهو يسبق الجزء العقلاني (القشرة الجبهية) في اتخاذ القرار. إذًا تحتاجين إلى فاصل وقت (Time Gap) قبل الرد.

 

وليكون تطبيقك بشكل عملي سليم: قبل أن تردي في الموقف، خذي نفسًا عميقًا، أو انسحبي مؤقتًا، أو اكتفي بنظرة صامتة، فهذا يؤجل الانفعال ويُفعل العقل الواعي.

 

2- ممارسة "الوعي بالذات" (Self-awareness)

 

اسألي نفسك قبل كل تفاعل: هل هذا الرد يُرضي الله تعالى؟ هل يليق بفتاة قارئة للقرآن؟

 

(وهنا سأترك لك الإجابة).

 

3- تكرار الدعاء النبوي صباحًا ومساءً: "اللهم اهدِني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت".

 

ثالثًا: بخصوص تعليق والدتك على النقاب وسوء الخلق:

 

اعلمي أن حُسن الخلق شرط في كل عبادة، وليس في النقاب فقط. لكن النقاب لا يُمنع بسبب خطأ في التعامل، بل يكون حافزًا لصاحبته على الالتزام والتحسين. فإن لبستِه بنيّة طاعة الله، وسعيتِ للمجاهدة في الأخلاق، فأنتِ على خير عظيم، ومن الفضليات.

 

قال ابن القيم: "حسن الخلق هو الدين كله..." لذا لا تجعلي قول والدتك يثنيكِ عن الخير، لكن اجعليه نقطة انطلاق للتحسين الذاتي، لا للتقليل من النفس.

 

رابعًا: بالنسبة للمقارنات الأسرية والغيرة من أبناء خالتك:

 

اعلمي حبيبتي أن المقارنة المفرطة تُولّد شعورًا بالنقص، وتُغذي الغيرة السلبية. وهذا يسمى في علم النفس التربوي بـ "التحفيز السلبي المقارن" (Negative Comparative Motivation)، وهو غالبًا يُنتج عكس المراد.

 

لكن لا تعتبري أبناء خالتك خصومًا، بل اجعلي حسن أخلاقهم دافعًا داخليًّا لكِ، لا مهددًا لكيانك. فلا أحد كامل، ولكل نفس مواضع ضعف وقوة. فتغافلي عن هذه الأمور، فكما قيل: ٩ أعشار الراحة في التغافل.

 

خامسًا: آتي معك الآن إلى كيف تنسين الموقف السلبي وتشعرين بالسلام النفسي؟

 

1- اكتبي الموقف بدقة، ثم اكتبي بجانبه: "تبتُ إلى الله، وأنا الآن أتعلم منه".

 

2- ذكّري نفسك: ليس أحد من البشر إلا ومرّ بموقفٍ ندم عليه.

 

3- ارحمي نفسك كما ترحمين الآخرين، وامدحي محاولاتك لا نتائجك فقط.

 

4- تذكري قول الله تعالى: ﴿إن الحسنات يُذهبن السيئات﴾. ليطمئن قلبك ويهدأ.. فكل خلق حسن، وكل صبرٍ على موقف، هو كفارة لما سبق بإذن الله تعالى.

 

* وأخيرًا إليك يا ابنتي هذه الوصايا العملية أيضًا:

 

- مارسي التدرّب على الصمت وقت الغضب(Anger Delay Strategy) .

 

- اقرئي كتبًا في تهذيب النفس وحسن الخلق مثل كتاب: "مدارج السالكين" لابن القيم.

 

- ثبّتي النية في ارتداء النقاب، وابدئي تحسين السلوك تدريجيًّا، لا تعكسي الأمر.

 

- خصصي لكل يوم موقفًا تحكمين فيه على رد فعلك ودرجة ضبطك لنفسك.

 

- استعيني بالله كل يوم بدعاء، مثل: "اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، ووساوس صدري، وسوء خلقي".

 

 * همسة أخيرة لفتاتي النبيلة:

 

أنتِ في عمر التعلُّم والنمو، ولا يُعقل أن تكوني بلا أخطاء. لكنّ جمالكِ الحقيقي في رجوعك إلى الحق، واعترافك بالتقصير، ومحاولاتك لتحسين ذاتك.. فليس من العيب أن نخطأ، ولكن من العيب أن نتمادي في الخطأ.

 

قال رسول الله ﷺ: "ما من شيءٍ أثقل في الميزان من حسن الخلق".

 

وافتخري بأنكِ:

 

تبكين من الخوف على نفسك.

 

تسألين الله الهداية.

 

تقرئين القرآن وتخافين أن تسيئي إليه بسلوكك.

 

وفقك الله بنيتي إلى كل خير ولما يحب ويرضى.

الرابط المختصر :