Consultation Image

الإستشارة 25/05/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، شيخنا الفاضل، حفظكم الله. لاحظت في الآونة الأخيرة انتشار عدد من المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تسيء إلى المرأة المسلمة، وبخاصة المرأة العاملة، وتُعرض بأسلوب ساخر أو تهكمي، يُوحي بأن المرأة في بيئة العمل لا تحترم نفسها أو تتنازل عن قيمها من أجل إرضاء مديرها أو الحفاظ على وظيفتها.

من أمثلة هذه المنشورات ما جاء فيه: "لماذا المرأة تتبع مديرها؟ لأنه يعاملها من أعلى لأسفل... يحرمها من الموارد... خصم من الراتب... نبذ وتسفيل... حرمان من الإجازة... والأخطر: تهديد عرضها وشرفها... وقس على ذلك".

وهناك منشورات مشابهة أيضًا تكرس هذه النظرة السيئة، وتُظهر المرأة وكأنها لا تعمل إلا لأهداف غير نزيهة، أو أنها موضع شبهة دائمًا، مما يؤدي إلى تشويه صورتها، وإثارة الشكوك حول شرفها، والتقليل من قيمتها في المجتمع، وفتح باب السخرية والتشويه العلني.

سؤالي لفضيلتكم: ما الحكم الشرعي في نشر هذه المنشورات المسيئة التي تُعمم التهم على النساء المسلمات وتطعن في سلوكهن وشرفهن؟ وما حكم من يتفاعل مع هذه المنشورات بالإعجاب أو المشاركة أو التعليق المؤيد؟ وهل يدخل هذا في باب الغيبة أو القذف أو إشاعة الفاحشة في المجتمع؟ وما نصيحتكم لمن يرى مثل هذه المنشورات أو يتأثر بها دون علم؟ جزاكم الله عنا خير الجزاء، ونفع بكم.

الإجابة 25/05/2025

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فكل ما ذكره السائل الكريم لا يمت للشرع بصلة؛ فالنساء شقائق الرجال، والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، والتعميم عن الرجال أو النساء لا يصح، فكما أنه يحدث تجاوزات من النساء أثناء العمل تحدث التجاوزات نفسها أو أكثر منها أو أقل، أو مساو له عند الرجال.

 

ولا يجوز شرعًا السخرية من جنس لحساب جنس آخر، فكل هذا وإن كان القصد منه المزاح لكنه يؤدي إلى القطيعة بين الجنسين، والأصل أن كلا منهما يكمل الآخر، ولن تعمر الدنيا إلا بالجنسين.

 

ولا يجوز كتابة هذه المنشورات ولا إعادة نشرها، أو الإعجاب بها، لقوله تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ (ق: 18).

 

والمزاح وإن كان مباحًا، لكنه لا بد أن يكون منضبطًا بضوابط الشرع التي جعلت كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه، كما أخبرنا المعصوم ﷺ.

 

وكما أن هناك من الأعمال لا يقوى عليها إلا الرجال، فهناك أعمال تمارسها المرأة وتكون أفضل وأقدر عليها من الرجال.

 

يقول الله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة: 71).

 

جاء في التفسير الميسر: والمؤمنون والمؤمنات بالله ورسوله بعضهم أنصار بعض، يأمرون الناس بالإيمان والعمل الصالح، وينهونهم عن الكفر والمعاصي، ويؤدون الصلاة، ويعطون الزكاة، ويطيعون الله ورسوله، وينتهون عما نُهوا عنه، أولئك سيرحمهم الله فينقذهم من عذابه ويدخلهم جنته. إن الله عزيز في ملكه، حكيم في تشريعاته وأحكامه.

 

وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: (إنما النساءُ شقائق الرجال). ويقول الله تعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ(آل عمران: 195).

 

جاء في تفسير السعدي: أي أجاب الله دعاءهم، دعاء العبادة، ودعاء الطلب، وقال: إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر وأنثى، فالجميع سيلقون ثواب أعمالهم كاملاً موفرًا. {بعضكم من بعض} أي: كلكم على حد سواء في الثواب والعقاب. {فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا} فجمعوا بين الإيمان والهجرة، ومفارقة المحبوبات من الأوطان والأموال، طلبًا لمرضاة ربهم، وجاهدوا في سبيل الله. {لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله} الذي يعطي عبده الثواب الجزيل على العمل القليل. {والله عنده حسن الثواب} مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فمن أراد ذلك، فليطلبه من الله بطاعته والتقرب إليه، بما يقدر عليه العبد.

 

وقد كان النبي ﷺ يمزح ولا يقول إلا خيرًا، فالمزاح لا بأس به، لكن المزاح الذي ينتقص من قدر مسلم، أو يتهمه في عرضه أو في نفسه لا يجوز شرعًا.

 

والله تعالى أعلى وأعلم

الرابط المختصر :