الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : العادات
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
382 - رقم الاستشارة : 2477
28/08/2025
هل زوج ابنتي محرم لي؟ السؤال: أنا في حيرة يا شيخ… زوج ابنتي (جوز بنتي) ليس ابني ولا حتى "زي ابني"، فهو رجل أجنبي عني — هكذا يقال لي من بعض الناس — ولكن بحكم العِشرة والمكانة يدخل بيتي ويراني باستمرار. وسؤالي: أثناء عملي في البيت والطبخ أرتدي أحيانًا ملابس نصف كم ليسهل عليّ الحركة ولا تتسخ أكمامي كل مرة، فهل يجب عليّ شرعًا أن أحتشم أمامه وأتجنب ذلك؟ وهل يجب عليّ ألّا أُظهر شعري أمامه مطلقًا؟ أفيدوني مأجورين، فقد التبست عليّ المسألة.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فزوج البنت من المحارم حرمة مؤبدة لا يحل له الزواج منها حتى لو طلق ابنتها أو ماتت عنه؛ فالعقد على البنات يحرم الأمهات، والدخول بالأمهات يحرم البنات، وما يقوله الناس ليس صحيحًا، بل عرف خاطئ، والعرف لا يُعمل به إذا خالف الشرع، إلا أن يكون زوج البنت عاصيًا لا يراعى حرمة، أو فاسقًا لا يعرف شرعًا، أو جاهلاً لا يقف عند حدود الله.
وفي واقعة السؤال يجوز للمرأة التخفف من بعض حجابها أمام زوج ابنتها إذا كان يفهم هذا الحكم الفقهي ويراعي هذه المحارم.
يقول الدكتور يوسف القرضاوي- رحمه الله – في إجابة عن سؤال مشابه:
عورة المرأة بالنسبة للرجال الأجانب عنها وكذلك النساء غير المسلمات جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين، على ما اخترناه، إذ أُبيح كشفهما -كما قال الرازي- للحاجة في المعاملة والأخذ والعطاء، فأمرن بستر ما لا تؤدي الضرورة إلى كشفه، ورخص لهن في كشف ما اعتيد كشفه، وأدت الضرورة إلى إظهاره، إذ كانت شرائع الإسلام حنيفية سمحة. قال الرازي: ولما كان ظهور الوجه والكفين كالضروري، لا جرم اتفقوا على أنهما ليسا بعورة. أما القدم فليس ظهورها بضروري فلا جرم اختلفوا هل هي عورة أم لا؟
وعورتها بالنسبة للأصناف الاثني عشر المذكورين في آية النور، وهم ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فَرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31].
تتحدد هذه العورة فيما عدا مواضع الزينة الباطنة من مثل الأذن والعنق والشعر والصدر والذراعين والساقين، فإن إبداء هذه الزينة لهؤلاء الأصناف قد أباحته الآية.
وماعدا ذلك من مثل الظهر والبطن والسوءتين والفخذين، فلا يجوز إبداؤه لامرأة أو لرجل إلا للزوج.
وهذا الذي يفهم من الآية أقرب مما ذهب إليه بعض الأئمة؛ أن عورة المرأة بالنظر إلى المحارم ما بين السرة والركبة فقط. وكذلك عورتها بالنسبة إلى المرأة بل الذي تدل عليه الآية أدنى إلى ما قاله بعض العلماء: إن عورتها للمحرم ما لا يبدو منها عند المهنة. فما كان يبدو منها عند عملها في البيت عادة فللمحارم أن ينظروا إليه.
ولهذا أمر الله نساء المؤمنين أن يستترن عند خروجهن بجلباب سابغ كاس، يتميزن به عمن سواهن من الكافرات والفاجرات، وفي هذا أمر الله نبيه أن يؤذن في الأمة بهذا البلاغ الإلهي العام: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [الأحزاب: 59]. والجلابيب جمع جلباب، وهو ثوب واسع كالملاءة تستتر به المرأة.
وكان بعض نساء الجاهلية إذا خرجن من بيوتهن كشفن عن بعض محاسنهن، من مثل النحر والعنق والشعر، فيتبعهن الفساق والعابثون. فنزلت الآية الكريمة تأمر المرأة المؤمنة بإرخاء بعض جلبابها عليها، حتى لا ينكشف شيء من تلك المفاتن من جسدها، وبهذا يعرف من مظهرها أنها عفيفة مؤمنة، فلا يتعرض لها ماجن أو منافق بإيذاء.
فالواضح من تعليل الآية أن هذا الأمر خوف على النساء من أذى الفساق، ومعاينة المجان، وليس خوفًا منهن ولا فقدانًا للثقة بهن -كما يدعي بعضهم- فإن المرأة المتبرجة بزينتها وثيابها، أو المتكسرة في مشيتها، أو الطرية في حديثها، تُغري الرجال بها دائمًا، وتُطمع العابثين فيها، وهذا مصداق الآية الكريمة ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْروفًا﴾ [الأحزاب: 32].
وقد شدد الإسلام في أمر التستر والتصون للمرأة المسلمة. ولم يرخص في ذلك إلا شيئًا يسيرًا خفف به عن عجائز النساء. قال تعالى: ﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاَّتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [النور: 60].
والمراد بالقواعد النساء اللاتي قعدن عن الحيض والولد لكبرهن فلا يطمعن في الزواج، ولا يرغبن في الرجال، كما لا يرغب فيهن الرجال. فهؤلاء قد خفف الله عنهن، ولم يجعل عليهن حرجًا أن يضعن من بعض الثياب الخارجية الظاهرة كالملحفة والملاءة والعباءة والطرحة ونحوها.
وقد قيد القرآن هذه الرخصة بقوله: (غير متبرجات بزينة) أي غير قاصدات بوضع هذه الثياب التبرج، ولكن التخفف إذا احتجن إليه.
ومع هذه الرخصة، فالأفضل والأولى أن يتعففن عن ذلك، طلبًا للأكمل، وبعدًا عن كل شبهة (وأن يستعففن خير لهن). أهـ.
والله تعالى أعلى وأعلم.