الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : استشارات أخرى
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
37 - رقم الاستشارة : 2971
16/10/2025
أريد أن أعرف ما معنى القوامة؟ ولماذا اختص الرجل بها؟ وهل هي دلالة على أفضلية الرجل ؟ فأنا زوجي رجل مستبد وكلما أحاول أن أتحدث معه يقول لي: الرجال قوامون على النساء
أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك أختي الكريمة في موقعك البوابة الإلكترونية للاستشارات.
دعينا في البداية نقرر أن الرجل والمرأة لهما نفس القيمة الإنسانية وأن الذي يحدد درجة كل إنسان هو قربه أو بعده من الخالق ومدى استجابته لأوامره وتشريعاته، وهي مسألة أثارتها النساء في العهد النبوي، فكان الرد القرآني القاطع ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾، وللمزيد حول هذه النقطة أرشح لك هذا المقال: الاحتفاء بالمرأة والأجر الأخروي.
درجة القوامة
إذا كانت القيمة الإنسانية واحدة بين الرجال والنساء وكانت العدالة الإلهية في الثواب والعقاب واحدة، فإن هذا لا يعني التطابق بين الأدوار والمهام كما يريد الفكر النسوي أن يصور وإلا لخلق الله جنسًا واحدًا ولم يكن هناك حاجة للجنس الآخر، لذلك قامت الفلسفة الإسلامية فيما يتعلق بالرجل والمرأة على فكرة التكامل بين الأدوار.. هناك أجزاء مشتركة متطابقة وهناك أجزاء مختلفة متكاملة حتى يتحقق الإنسجام والسكينة داخل الأسرة وخارجها.
داخل الأسرة منحت الشريعة الإسلامية للرجل حق القوامة ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾، وهو تكليف إن قام به الرجل حصل على التشريف.. أي هي مكانة ومسئولية معًا.. الرجل يقود الحياة الزوجية ويتحمل المسئولية وهو المعنى اللغوي اللازم من القوامة.. فالقائم عكس القاعد سواء داخل نطاق الأسرة أو في الجهاد في سبيل الله.. القائم هو على أهبة الاستعداد للعمل، وهذا يعني أن له صفات وسمات شخصية ومؤهلات ذاتية هي فضل من الله تؤهله للقيام بهذه المهمة، ويعني أيضًا أنه يبذل ماله وكسبه كي يشبع احتياجات أسرته ويحقق لهم الاستقرار الاقتصادي.
الإنسان الذي تغلغل الإيمان في قلبه لا يفخر على الآخرين بالفضل الذي منحه له الله عز وجل، لا على مستوى الفرد ولا على مستوى الجنس، فلا يقول الزوج المؤمن لزوجته أنا أفضل منك لأنني أنا القوام، ولا يقول الرجل المسلم أن الرجال أفضل من النساء، وذلك لأن هذا الفضل هو عطاء من الله نشكره عليه جميعًا -رجالاً ونساءً- فكما فضّل الله الرجال بسمات شخصية تساعدهم على القوامة فضّل الله سبحانه وتعالى النساء بسمات شخصية تمنح السكن ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾، والقوامة ليست أفضل وليست أهم من السكن إلا عند ضعاف العقول.
فإذا كانت القوامة تعني تحمل المسئولية والقيادة للحياة الزوجية، فالسكن هو ما يمنح هذه الحياة روحها وقيمتها الحقيقية ولسنا في معركة أو صراع ساذج لتقييم أيهما أفضل القيادة أم السكينة، فكلاهما بالغ الأهمية وهي أدوار تكمل بعضها بعضًا.
الدرجة الفارقة
عودة لفكرة القوامة التي تألفها بشدة المرأة الطبيعية خاصة عندما تمارس بشكل صحيح وفقًا لمقاصد الشريعة وأحكامها وليست وفقًا للعرف السائد وعادات وتقاليد المجتمع.. القوامة الحقيقية تألفها المرأة وترى أنها تعمل في صالحها لأنها تشبع مشاعرها الأنثوية من ناحية، ولأنها تخفف عنها كثيرًا من الأعباء والالتزامات من ناحية ثانية، فالمرأة التي لا تجد الرجل الذي يستطيع القيادة تعاني تمامًا مثل المرأة التي تواجه الرجل المستبد باسم القوامة والقيادة.
القوامة -يا أختي الكريمة- داخل الحياة الزوجية هي تلك الدرجة الفارقة بين حقوق الرجال والنساء المتشابهة ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾، هي درجة القوامة في الحياة الزوجية درجة القيادة العليا.. درجة واحدة تشبه العلاقة بين الرئيس ورئيس الوزراء لا بين الرئيس وموظف ما تحت التدريب في مؤسسة في قاع الريف مثلاً.
درجة مسئولية كتلك المسئولية التي ينبغي أن تكون للرئيس فهو مسئول عن أمانة وليس في حفل تشريف ومباهاة وإلا كان رئيسًا غير مسئول وفاسدًا.. القوّام صيغة مبالغة من القيام أي العمل والمشقة والمسئولية وفي المقابل لا بد من احترام القائم على هذا الأمر وتوقيره وطاعته ولا يتناقض هذا مع مبدأ الشورى.
الأسرة كما المجتمع الكبير إذا نظر الرئيس لمنصبه كقائد أعلى للبلاد على أنه ديكتاتورية وتسلط وتعنت وتشريف فهو يقود البلاد للهاوية، كذلك الزوج الذي يرى أنه الأفضل المشرف بالقوامة والدرجة ويمضي يقرر في الحياة الزوجية دون شورى ويتعنت يمضي بحياته الزوجية للهاوية ويرتكب إثمًا.
بمعنى آخر العلاقة بين الزوجين ليست صراعًا للقوى بل هي وحدة عضوية كاملة تقوم على الشورى والتعاطف والتراحم، والمودة تقوم على مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أعطي الرجل فيها درجة واحدة إضافية ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾؛ لأن أي مؤسسة لا بد أن يكون لها رئيس أعلى يدير شئونها خاصة أوقات الأزمات، ومن ثم يقوم على هذا الأمر جهد وتعب ومشقة ومسئولية كي يستحق أن يكون الرئيس.
بقي أن نقول إن هذه الدرجة داخل نطاق الحياة الزوجية فقط، أي بين الزوج والزوجة فقط، وإلا فللأم على الابن درجات من الطاعة، بل إن درجة الأم تعلو درجة الأب (جاء رجلٌ إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أبوك")، فمسألة الدرجة ليست على إطلاقها بين الرجال والنساء.
أما في الحياة العامة فلا درجة للرجال على النساء في الوظائف وغيرها من الأمور المرتبطة بالكفاءة وبعيدًا عن درجة الإمامة، فالمجال متسع أمام النساء بحسب الظروف الشخصية لكل امرأة ومدى ما تتمتع به من كفاءة.
لماذا أقول لك هذا الكلام والمشكلة مع زوجك داخل نطاق حياتك الزوجية؟
حتى تفهمي الصورة الواسعة لمفهوم القوامة والدرجة الفارقة بين الرجال والنساء وحدودها وشروطها ومقاصدها.
أما بالنسبة لزوجك فعليك أن تترفقي في الكلام معه ولا تتهميه بالاستبداد حتى لا تعززي هذه الفكرة في عقله الباطن.. فكري دائمًا جيدًا فيما تطرحين من أفكار وفي طريقة عرضك لها دون أن تحاولي فرضها عليه.
ذكريه بموقف السيدة خديجة وقت نزول الوحي وكيف دعمت النبي ﷺ.. أثناء حديثك معه وبشكل عفوي حدثيه عن أم سلمة وقت أزمة الحديبية وكيف كانت مشورتها التي أخذ بها النبي ﷺ إنقاذًا للمسلمين جميعًا.. فككي قناعاته ببطء وهدوء ورفق وساعدي نفسك على التطور حتى تكوني جديرة بهذه الشورى.. وأخيرًا أريدك أن تتذكري مميزات زوجك وتضعي مميزاته بجوار عيوبه (ولا يوجد إنسان بلا عيوب) حتى لا تشعري بالغضب تجاهه.. أسعد الله قلبك وأصلح لك زوجك، وتابعيني بأخبارك دائمًا.
روابط ذات صلة:
قوامة الرجل على المرأة.. حكمها وحقيقتها
قوامة الرجال على النساء.. معناها وحكمتها
هل الزواج بفتاة أكبر مني يؤثر على القوامة؟
كيف أفهم ضرب الزوجة علميًّا في آية القوامة؟
حين اختلّت القوامة.. ماذا حدث؟!