الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : استشارات أخرى
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
57 - رقم الاستشارة : 2972
15/10/2025
أنا ارملة ولدي أولاد وهناك من يطلبني للزواج وعائلتي منقسمة بعضهم يريد مني أن أهب حياتي لأولادي واكتف بنصيب من هذه الحياة وبعضهم يقول لي فرصة لن تتكرر كثيرا وأنت لا زلت في مرحلة الشباب وغدا تندمين .. ما رأيكم
أختي الكريمة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك في موقعك البوابة الإلكترونية للاستشارات.
سؤالك –غاليتي- يفتح ملفًا غاية في الحساسية عن دور المرأة والأم في المجتمع ومدى تقدير المجتمع لاحتياجاتها الشخصية، وقبل أن أجيبك عن مميزات كل خيار وعيوبه أريد أن أسأل سؤالاً مهمًّا ينبغي أن نطرحه على أنفسنا يتعلق بفكرة التضحية ألا وهو هل الأم التي تستحق التقدير هي فقط تلك الأم التي تضحي بنفسها وسعادتها من أجل الأبناء كما يُنشر ويُروّج؟ تلك التي تحترق من أجل أن تنير للآخرين.. وهل حقًّا هناك علاقة وثيقة بين الاحتراق وبين إنارة الدرب للآخرين؟ وماذا بعد أن تنتهي وتذوي من سينير لهم الدرب؟ أم أنهم سرعان ما سيبحثون عن أخريات يحترقن من أجل أن تنار لهم الطرق؟
قضية مهمة
أقول هذا الكلام من أجل إثارة هذه القضية المهمة.. هل الأم التي يموت عنها زوجها تاركًا وراءه عددًا من الأطفال لا يحق لها أن تفكر في الزواج مرة أخرى؟ هل لو فكرت في الزواج تكون امرأة أنانية لا تهتم بأطفالها ولا تكترث لهم ولا يشغلها غير سعادتها الذاتية كما تروج الثقافة الشعبية السائدة؟ هل حقًّا الأم العظيمة هي تلك التي تغلق أبواب قلبها على أولادها فقط؟ والسؤال الصريح هل يعوض حب الأبناء كل صور الحب التي تحتاجها المرأة؟ وهل المرأة الأرملة في مجتمعنا عندما تقوم بهذا الاختيار ألا تتزوج ثانية وتعيش فقط من أجل أطفالها تقوم بذلك بمطلق حريتها أم أنها أسيرة لصورة رسمها لها المجتمع؟
والسؤال الأخير هل هناك سن محددة عندما تتجاوزها المرأة لا يحق لها التفكير في الزواج مرة أخرى بعده؟ وهل الأرملة التي بلغت الستين من العمر وقد تزوج أبناؤها لا يحق لها أن تتزوج في هذه السن لأنه غير لائق ؟ أتساءل حقيقة لأي دين ومرجعية يحتكم هؤلاء؟
السؤال الوحيد المشروع الذي ينبغي توجيهه للأم التي توفي زوجها في أي مرحلة عمرية من حياتها وتفكر في تكرار تجربة الزواج هو سؤال مزدوج (أرجو أن تسأليه لنفسك): الجزء الأول يتعلق بمدى احتياجها لهذا الزواج؟ وحدها من تستطيع الإجابة بصدق عن هذا السؤال.
أما الجزء الثاني فهو ممن ستتزوج؟ وهل هو رجل مسئول يستطيع تحمل هذه المسئولية التي ستلقى على عاتقه أم لا؟
لكل من لا تستسيغ نفسه الفكرة ويرى أن الأم التي تتزوج بعد وفاة والد أطفالها هي في درجة أقل من تلك التي قررت أن تهب حياتها لأطفالها فقط أرجو قراءة هذا الحديث بتعمق.. كانت علاقة أم سلمة بأبي سلمة من أقوى ما تكون وممَّا حدَّثها به أنه سمع من رسول الله ﷺ حديثًا عَجَبًا، سمعه يقول: (ما من عبدٍ يُصاب بمصيبة، فيفزع إلى ما أمر الله به، فيقول: إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعُون، اللهُمَّ أْجُرْني في مصيبتي، وعَوِّضني خيرًا منها، إلَّا أَجَره الله في مُصيبته، وأخْلَفَ له خيرًا منها).
قالت رضي الله عنها: فلمَّا مات أبو سلمة، ذكرتُ الذي حدَّثني عن رسول الله ﷺ، فاسترجعتُ، وقلت: اللهمَّ عندك أحتَسِبُ مصيبتي هذه، ولم تطب نفسي أن أقولَ: اللهمَّ أخْلف لي خيرًا منها، وقلت: أيُّ المسلمين خيرٌ من أبي سلمة؟ ثم إني قلتها، قالت: فقد عوضني الله خيرًا من أبي سلمة، وأرجو أن يكون الله قد أَجَرني في مصيبتي.
ولمَّا بلغ الكتابُ أَجَلَه، خطبها عمر فردَّته، ثمَّ خطبها رسول الله ﷺ وبينه وبينها حجاب، فقالت: أي رسول الله، إني امرأة قد أدبرت مني سِنِّي، وإني أمُّ أيتام، وإني شديدةُ الغَيْرة، فأجابها صلوات الله وسلامه عليه: ((أمَّا ما ذكرت من سنِّك، فأنا أكبر منك سنًّا، وأما ما ذكرت من غَيْرتك، فسأَدْعو الله أن يُذهبَها، وأما ما ذكرت من أيتامك، فإنَّ الله يَكفيهم)).. فلا يلوم أحدهم على أم الأيتام بعد ذلك وإن كانت قد بلغت من السن ما بلغته.
خيار آخر
أما إذا اخترت أيتها الأم الكريمة أن توقفي حياتك على تربية أبنائك بعد وفاة الأب فهذا قرارك واختيارك تأخذين أجرك به من رب العالمين يقول النبي ﷺ: "أنا أول من يفتح باب الجنة، إلا أني أرى امرأة تبادرني، فأقول مالك ومن أنت؟ تقول: امرأة قعدت على أيتام لي".. فهذه الأرملة لم تتزوج وجعلت أولادها مشروع حياتها وقامت على تربيتهم كما ينبغي فكان هذا جزاؤها أن تزاحم النبي ﷺ على باب الجنة.
أختى الكريمة إذا اخترت هذا الخيار فعليك أن تنتبهي لأمرين:
* أن تسألي نفسك جيدًا هل تستطيعين تحمل هذا الوضع أم لا؟ هل ستشعرين بأنك ستفتقدين حاجة أساسية من احتياجات الحياة أم هي حاجة هامشية بالنسبة لك؟ هل ستتعرضين للفتنة جراء هذا القرار أم أنك في مأمن منها؟ وأخيرًا هل هذا القرار نابع من داخلك أم أنك تحافظين على صورتك التي رسمها لك المجتمع؟
* أريد أن أنبهك لمسألة مستقبلية تقع فيها كثير من الأرامل اللاتي تنغلق حياتهن على الأبناء فقط ثم يطالبن الأبناء بالمقابل ورد الجميل بطريقة تؤذي حياة الأبناء.. فإذا كنت ستقدمين على تضحية فلا تطالبي الأبناء بالثمن الباهظ لهذه التضحية ولا تحيلي حياتهم جحيمًا مقابل ما قدمته كما نرى في الواقع وما يصلنا من استشارات.. من حقك أن تطالبي ببرهم بقدر ما يستطيعون لكن لا تجعلي من تضحيتك سيفًا مسلطًا على أعناقهم تتحكمين فيه بحياتهم رافضة أن تكون لهم حياة خاصة لا تكونين موجودة في أدق تفاصيلها.. وقد يساعدك على ذلك إن أخذت هذا القرار أن تشاركي في أنشطة مجتمعية ويكون لك حياة اجتماعية فلا تتعلقي تعلقًا مرضيًّا بأبنائك.. أراك الله الحق حقًّا ورزقك اتباعه ويسر أمورك كلها، وتابعيني بأخبارك.
روابط ذات صلة:
بين رغبتي في الزواج وخوفي على طفلتي.. ماذا أقرر؟!!