الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : المراهقون
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
108 - رقم الاستشارة : 2881
04/10/2025
ابنتي الوحيدة عمرها الآن ١٥ سنة، وقد فقدت والدها منذ كانت في التاسعة من عمرها. كان والدها إنسانًا حنونًا ويحبها كثيرًا، وكانت متعلقة به بشدة. ومنذ وفاته وهي تحمل في قلبها ألم الفقد، وكلما تذكرته أو رأت زميلة مع والدها، انزوت وحدها وبكت كثيرًا، وتبدو عليها علامات الحزن والوجوم الدائم.
هي دائمًا تتحدث عن أبيها، وتشعر بالحرمان لفقده، رغم أنني لم أتزوج بعده وضحيت من أجلها كي لا تشعر بالوحدة. لكنني أشعر أنها ما زالت غارقة في حزنها ولا تستطيع تجاوزه.
فما السبيل لمساعدتها نفسيًا وتربويًا حتى تتجاوز هذه المرحلة وتعيش حياتها بروح متفائلة، دون أن يؤثر فقدان والدها على نموها العاطفي والنفسي؟
أختى الغالية، أول ما أود أن أقوله لك: بارك الله في صبرك وتضحيتك من أجل ابنتك، فاختيارك عدم الزواج لتربية ابنتك وحدها هو موقف عظيم ونبيل، ولكن الأهم أن تحافظي على توازن نفسي وعاطفي لها حتى لا يظل حزنها جرحًا مفتوحًا.
الناحية النفسية
فقد الأب في سن التاسعة يمثل صدمة نفسية (Psychological Trauma) قد تُعرف في علم النفس بـ حرمان الوالدينParental Deprivation . وهذه المرحلة العمرية كانت بداية المراهقة المبكرة، حيث يكون ارتباط الطفلة بالأب قويًّا جدًّا، خصوصًا إذا كان حنونًا وقريبًا منها. لذا فمن الطبيعي أن تظهر عليها أعراض الحزن العميق، مثل الانزواء، كثرة البكاء، الحديث المتكرر عن الأب، والشعور بالوحدة.
هذه الأعراض يمكن أن تندرج ضمن ما يُعرف بـ الحزن المطوَّل Prolonged Grief.
الناحية التربوية
ينبغي أن نُعلّم ابنتك كيف تتعامل مع فكرة الفقد لا أن تنساها، فالموت حقيقة ثابتة، لكن الاستغراق في الحزن يمنعها من استثمار حياتها. التربية السليمة هنا تقوم على مبدأ التوازن بين الوفاء للماضي، والانفتاح على المستقبل.
خطوات عملية
ولذا سأضع لك خطوات عملية لمساعدتها:
1- التعبير عن المشاعر: لا تمنعيها من الحديث عن والدها أو البكاء عليه، بل شجعيها أن تخرج مشاعرها. فالاحتفاظ بالحزن داخلها يزيد من الضغط النفسي عليها.
2- إعادة صياغة صورة الأب: ساعديها على أن ترى أباها نموذجًا محفزًا، فتقول: "كان أبي حنونًا وطيبًا، وأحب أن أكون كما أحب أن يراني". هذا ما يسميه علماء النفس التربوي التقمص الإيجابي Positive Identification.
3- إشراكها في الدعاء والصدقة: أخبريها أن أفضل ما تقدمه لوالدها هو الدعاء والصدقة الجارية. قال رسول الله ﷺ: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له". هذا سيمنحها شعورًا بأنها ما زالت مرتبطة به وتستطيع أن تكون سببًا في رحمته وثقل ميزانه بعد وفاته.
4- تنمية مهاراتها وهواياتها: شجعيها على الاشتراك في أنشطة، أو تعلم مهارة، أو ممارسة رياضة. فالنشاط يُعتبر علاجًا سلوكيًا مهمًّا للحزن. وهو ما يعرف بـBehavioral Activation، أي التنشيط السلوكي، بمعنى تحريك الطاقة النفسية عبر أنشطة إيجابية.
5- تعزيز الثقة والأمان: اجعليها دائمًا تشعر أن أمها سند قوي لها، وأن فقد الأب لا يعني فقدان الحماية. الكلمات الطيبة والعناق المستمر يعملان على بناء الأمان العاطفي (Emotional Security).
6- إعادة تعريف وتعزيز لمعنى الفقد: في التربية الإسلامية، الفقد يُنظر إليه كباب للأجر والرحمة، قال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾.. وعلميها أن الحزن جزء من الحياة، لكنه لا يمنعها من أن تكون قوية وصالحة.
7- تجنبي المقارنة والتوبيخ: لا تقولي لها: "لماذا لا تتجاوزين الأمر؟" أو "غيرك فقد أكثر". فهذا يزيد شعورها بالوحدة. احتويها بعبارات تعاطف: "أعرف أن فقدك لأبيك صعب، وأنا معك دائمًا." فيما عدا بعض الإشارات لتدرك وتقدر حجم النعم التي منحها الله إياها.
* همسة أخيرة:
ابنتك تحتاج لاحتواء نفسي وصحبة طيبة، وأن تُفتح أمامها أبواب المستقبل، مع الحفاظ على مكانة أبيها في قلبها كذكرى عزيزة لا كجرح نازف.
الزمن كفيل بتخفيف الألم، لكن التوجيه التربوي والنفسي الصحيح يحدد إن كان هذا الألم سيتحول إلى طاقة إيجابية تبني شخصيتها، أو إلى عائق يعطل نموها.
ثم اجعليها تشعر بالمعنى الجميل لقول الإمام الشافعي:
اصبر على حُلو الزمانِ ومرِّه ** واعلم بأن الله بالغُ أمرِه
روابط ذات صلة:
ابنة أختي اليتيمة مُرهقة لجديها!!