الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : المراهقون
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
55 - رقم الاستشارة : 2937
11/10/2025
السلام عليكم، أنا معلمة في مدرسة إعدادية، وعندي طالبة في الصف الثاني الإعدادي ذكية جدًا ومتفوقة في دراستها، لكني ألاحظ عليها الانطواء الشديد داخل الصف، فهي لا تندمج مع زميلاتها ولا تشارك في الأنشطة، وتجلس أغلب الوقت صامتة. حاولت التقرب منها بهدوء، وعرفت مؤخرًا أن والدتها متوفاة منذ أربع سنوات، ويبدو أن غياب الأم ترك أثرًا كبيرًا في نفسها. الطالبة مؤدبة وخلوقة جدًا، لكني أشعر بحزنها الدائم وأحيانًا تصعب عليّ كثيرًا. فبماذا تنصحيني؟ كيف أتعامل معها تربويًا ونفسيًا دون أن أؤذي مشاعرها؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أيتها المعلمة الفاضلة،
أسأل الله أن يجزيك خير الجزاء على إحساسك المرهف ومسؤوليتك التربوية العالية، فما أرقَّ قلب المعلّمة حين يتّسع ليضم ألم طالبة فقدت الأمّ -نبع الأمان الأوّل- في عمرٍ ما زالت فيه النفس تتلمّس ملامح الطفولة وتتهيأ لعبور المراهقة.
الانسحاب الانفعالي
من خلال وصفك، يبدو أن هذه الطالبة تمرُّ بما نسميه في علم النفس التربوي (Emotional Withdrawal) أي الانسحاب الانفعالي أو العاطفي، وهو أحد أنماط وأليات التعامل (Coping Mechanisms) التي يستخدمها الفرد لحماية ذاته من الألم النفسي غير المعالَج.
انطواؤها ليس بالضرورة دليلاً على ضعف شخصيتها، بل قد يكون أسلوبًا دفاعيًّا لتجنّب المواقف التي تُذكّرها بفقد الأم أو تُعرّضها لمشاعر العجز والحزن.
مراحل الحزن
ومن الناحية النفسية والتربوية..
ينبغي أن نراعي أنّ الطفلة – رغم مرور أربع سنوات – لم تتخطَّ تمامًا مراحل الحزن الأربعة التي وصفها "كوبر روس" في نظريته عن الفقد (Kübler-Ross Model of Grief)، وهي: الإنكار، الغضب، المساومة، ثم القبول.
وربما هي لا تزال عالقة بين المساومة والقبول، خصوصًا إن لم تجد بديلًا عاطفيًّا يحتويها في البيت.
وهنا عليكِ – كمعلمة – أن تكوني لها نموذجًا داعمًا (Supportive Figure)، لكن دون أن تشعريها بالشفقة، بل بالاحترام والتقدير. الطفل في هذا العمر – وخاصة في أوائل المراهقة – يحتاج إلى (Emotional Validation) أي التحقق من مشاعره وتقبّلها كما هي. فقولي لها مثلًا: "أعرف أن الفقد ليس سهلًا، لكني أؤمن أنك قوية وقادرة على تجاوزه".
بهذه الطريقة أنتِ تمنحينها الأمان النفسي وتدعمين مفهوم الذات الإيجابي (Positive Self-Concept) لديها.
لطف الله وزرع اليقين
ومن الجانب الإيماني والتوجيهي..
ذكّريها بلطف، أن الله سبحانه وعد الصابرين فقال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾.
وازرعي فيها يقينًا أن فقد الأم ليس نهاية الحنان، فالله سبحانه يقول: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾، ولعل اختيار الله لها أن تفقد أمها في هذه السن هو إعداد لرسالة أو تميز إنساني أكبر.
خطوات للعلاج
أما من الجانب التربوي الواقعي..
1- اجعليها تشارك في أنشطة فردية تُعبّر فيها عن ذاتها كالرسم، الكتابة، القراءة أو الإلقاء، فذلك يساعدها على (Emotional Expression) أي التعبير عن المشاعر المكبوتة بطريقة آمنة.
2- كافئي نجاحها وشجعيها أمام زميلاتها لتشعريها بالقيمة والانتماء (Sense of Belonging).
3- حاولي ربطها بصداقة زميلة رحيمة تشبهها في الاهتمامات، لتتعلم التفاعل الاجتماعي التدريجي (Social Reintegration).
4- تواصلي مع أسرتها إن أمكن بلطف، لتتأكدي من بيئتها الأسرية ومن وجود احتواء بديل عن الأم.
وأخيرًا يا معلمتي الراقية
تذكّري أن كل كلمة حنان منك تُرمّم جدارًا مكسورًا في نفس صغيرة تبحث عن دفءٍ فُقِد، وأنك تمارسين بذلك أسمى صور التربية القلبية التي تجمع بين العقل والعاطفة، وتحقّق مقصد الإسلام في الرحمة والتعليم معًا.. فجزاك الله خير الجزاء.
* همسة أخيرة لقلب المعلمة النقي:
كوني لها أمًّا ثانية في الشعور، لا في الدور، وسترين بإذن الله تعالى أن انطواءها سيتبدّد مع الزمن حين تشعر بالأمان والانتماء والثقة من جديد.
فغالبا كل انطواءٍ وراءه وجع، وكل وجعٍ يحتاج لرحمةٍ قبل التوجيه، واحتواءٍ قبل التعليم.
روابط ذات صلة:
انزوت بعد فقدان والدها.. كيف أساعد ابنتي على تجاوز ألمها النفسي؟!