بين الإسراف والحرمان..كيف أربي تربية سوية؟!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : الأطفال
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 58
  • رقم الاستشارة : 2878
04/10/2025

ابني عمره ٤ سنوات، وأشعر بالحيرة مع والده في طريقة تربيته. والده يرى أنه لابد أن نلبي له كل ما يطلبه، حتى يشعر بالشبع العاطفي والمادي ولا ينشأ ناقصًا أو حاسدًا للآخرين، خاصة أنه عندما يُرفض له طلب يبدأ بالصراخ والبكاء الشديد، مما يدفع والده للاستسلام له.

أما أنا فأرى أن منعه من بعض الأشياء ضروري، لأنه بذلك يتعلم التدبير، ويتحمل المسؤولية، ولا يكبر مبذرًا. لكنني أخشى أن يتأثر نفسيًا إذا شددنا عليه كثيرًا.. فما هو الأسلوب التربوي السليم الذي يحقق له التوازن، ويجعله لا يعاني من آثار نفسية سلبية؟

 

 

 

 

الإجابة 04/10/2025

عزيزتي الأم، لقد طرحتِ قضية مهمة يمر بها أغلب الآباء والأمهات في سنوات الطفولة المبكرة (Early Childhood) التي تتراوح بين ٣–٦ سنوات، حيث تبدأ شخصية الطفل في التشكل، ويظهر عنده ما يسميه علماء النفس التربوي "مرحلة إثبات الذات"(Assertion of Self) .

 

في هذه المرحلة يستخدم الطفل البكاء والصراخ كوسيلة ضغط للحصول على ما يريد، وهو ما يُعرف في علم النفس بـ"Tantrums".

 

التوازن بين الإشباع والمنع

 

أولاً: من المهم أن ندرك أن تلبية كل مطالب الطفل بلا حدود قد تضر بنموه النفسي أكثر مما تفيده؛ فالطفل إذا اعتاد أن يُلبى له كل شيء دون انتظار أو حرمان نسبي، فإنه ينشأ ضعيف التحمل، قليل الصبر، عاجزًا عن ضبط نفسه، ويصبح متمركزًا حول ذاته.

 

ثانياً: المنع التام والقسوة في التربية أيضًا ليس أسلوبًا صحيحًا، لأنه قد يزرع في نفس الطفل شعورًا بالحرمان العاطفي والرفض، وقد ينمو بداخله شعور بالنقص أو التمرد.

 

إذن، المنهج التربوي القويم هو التوازن بين الإشباع والمنع.

 

وهنا تأتي الحكمة التربوية الإسلامية التي تؤكد على قوله ﷺ: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه".

 

الأسلوب التربوي السليم

 

* والأسلوب التربوي السليم يمكن تلخيصه في النقاط التالية:

 

1- إشباع الحاجات الأساسية: على الوالدين أن يوفرا للطفل الأمان، الحب، والاحتواء، فهي حاجات نفسية أساسية. أما الكماليات والرغبات الزائدة فليست كلها مطلوبة.

 

2- التدريب على الصبر والإرجاء: وهو أن يتعلم الطفل تأجيل الحصول على ما يريد. يمكن مثلاً أن تقول له الأم: "نعم، ستحصل على الحلوى، ولكن بعد الغداء". هذه الطريقة تنمّي عنده قوة ضبط النفس (Self-control).

 

3- التربية على القَدر والاعتدال: قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا﴾.. هذا هو الميزان الدقيق؛ لا إسراف ولا حرمان، وإنما وسطية.

 

4- تجاهل نوبات الغضب (Tantrums Management): عند الصراخ المستمر، الأفضل أن لا يضعف الوالد أمام بكائه، بل يُترك حتى يهدأ، ثم يُعطى تفسيرًا بسيطًا للطفل: "أنا أحبك، ولكن لا يمكن أن تحصل على كل شيء بالصرخ". هذا يُشعره بالأمان مع وجود حدود واضحة.

 

5- التعليم بالقدوة: إذا رأى الطفل والديه يتعاملان مع رغباتهما باعتدال، ويؤجلان بعض الأشياء، فسيتعلم بالسلوك أكثر من الكلام. وهنا لا بد من إظهار الأولويات للطفل، بسماعهما أثناء حديثهما وترتيب أمور حياتهم.

 

6- تعزيز السلوك الإيجابي: عندما يطلب الطفل شيئًا بهدوء أو ينتظر دوره، ينبغي مكافأته بكلمة طيبة أو حضن؛ لأن هذا يعزز لديه السلوك الصحيح أكثر من العقاب.

 

ويكفي أن نعلم أن رسول الله ﷺ ربّى الحسن والحسين رضي الله عنهما على الحب والاحتواء، لكنه لم يتركهما بلا حدود، بل وضع لهما ضوابط تربوية في اللعب والكلام والطعام.

 

فمن شبَّ على شيء شاب عليه. فإذا شب الطفل معتادًا على أن الدنيا تعطيه كل ما يريد، فسيكبر باحثًا عن إشباع سريع لكل رغباته، غير قادر على مواجهة التحديات. أما إذا تربى على التوازن والاعتدال، فسوف يكبر ناضجًا، قادرًا على الصبر، ومتحكمًا في ذاته.

 

* همسة أخيرة لكل أم وأب:

 

- لبّوا حاجاته الأساسية بحب وحنان.

 

- ضعوا حدودًا واضحة لا يمكن تجاوزها.

 

- اجعلوا بعض الطلبات مؤجلة لا مرفوضة كليًّا.

 

- لا تستسلموا للصراخ، فالصراخ ليس وسيلة للتربية بل اختبار لصبركما.

 

- كونوا قدوة في الاعتدال والإنفاق.

 

بهذا الأسلوب، ينشأ الطفل على التوازن النفسي والتربوي، لا هو محروم فيشعر بالنقص، ولا هو مدلل فيفسد سلوكه، فخير الأمور الوسط.

 

 

روابط ذات صلة:

زوجي كثير التدليل لطفلينا.. كيف أتعامل؟!

التربية الحديثة تخالف الواقع التربوي.. كيف نربي؟!!

تربية زوجة ابني لحفيدي لا تعجبني.. ماذا أفعل؟!

أخشى أن ينشأ طفلي منطويًا بسبب تربيتي له!!

الرابط المختصر :