حكم تسليم المقاومة للسلاح حقنًا للدماء!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
  • القسم : السياسة الشرعية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 694
  • رقم الاستشارة : 2240
02/08/2025

هل يجب على المقاومة الفلسطينية تسليم السلام حقنا للدماء وسعيا وراء السلام وتأمينا للطعام والشراب لهم ولأهل فلسطين؟ أفتونا مأجورين.

الإجابة 02/08/2025

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فالواجب على المسلمين جميعًا الآن هو نصرة المستضعفين وإمدادهم بالمال والعتاد وبكل ما يحتاجون حتى لا يصلوا إلى هذه الدرجة، وهو تسليم السلاح. وتسليم السلاح معناه الهزيمة المطلقة، وتسليم البلاد والعباد لهذه الطغمة الشريرة الفاسدة التي لا يروي ظمأها ولا شراستها إلا مزيد من دماء العرب والمسلمين والعالم بأسره، فهم الشر المطلق والفساد المطلق والإجرام المطلق.

 

أما إمكانية ذلك فيترك لهم يقررونه بأنفسهم ولا يملى عليهم؛ لأن هذا ليس حقنًا للدماء بل هو إراقة للدماء، دماء النساء والشيوخ والأطفال، وتدمير للحجر والشجر والبشر.

 

ولو كان جهادهم جهاد طلب لقلنا عليهم الانسحاب حفاظًا على أنفسهم، لكنه جهاد دفع، وجهاد الدفع قدر محتوم، لا يمكنهم الانسحاب إلى بالهزيمة.

 

واجبنا نصرتهم لا خذلانهم، واجبنا الوقوف بجوارهم نحفظهم بدمائنا وأنفسنا وأموالنا لا أن نجبرهم على إلقاء السلاح وإعلان الهزيمة، ونصرهم لنا وهزيمتهم علينا.

 

يقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا﴾ [النساء: 102].

 

ولقد نهانا الله تعالى عن الغفلة عن السلاح فكيف بتسليمه؟ وتسليمه لمَن؟ لمن كان وسيظل خنجرًا مسمومًا في قلوبهم على مر الزمان.

 

لكن السؤال المقبول هل يمكن أن تنهزم هذه الفئة المجاهدة الصادقة المخلصة؟ وتنكسر أمام هؤلاء الفسدة؟

 

ونبادر بالقول أن نعم لو تخلت عنها هذه الأمة كثيرة العدد والعتاد، وسيبوء كل فرد في هذه الأمة بالإثم إن حدثت الهزيمة -لا قدر الله- وكان قادرًا على دفع العدوان فلم يدفعه.

 

وقد ناقش شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي هذه المسألة في كتابه الماتع فقه الجهاد، فكتب تحت عنوان بماذا تنتهي الحرب؟

 

وبعد أن ذكر أن الحرب يمكنها أن تنتهي بنصر المسلمين على عدوهم، أو بالصلح... أو بغير ذلك قال يمكن للحرب أن تنتهي بهزيمة المسلمين فقال:

 

وقد تنتهي المعركة بين المسلمين وأعدائهم بانكسار المسلمين أمام خصومهم، ﴿وكان أمر الله قدرًا مقدورًا [الأحزاب: 38]. والمسلمون مجموعة من البشر، تجري عليهم سنن الله، كما تجري على غيرهم من الأمم، فإذا قصروا في مراعاة السنن أو الأخذ بالأسباب، وإعداد ما استطاعوا من قوة ليرهبوا عدوا لله وعدوهم، أو أخطؤوا في حساباتهم وتقديرهم لقوتهم وقوة عدوهم، أو فوجئوا بهجمة عدو أكثر منهم عددًا وأشد قوة، أو أفتك أسلحة، وأكثر تدريبًا واستعدادًا للحرب، ولم يتهيؤوا لملاقاته، أو انحرفوا عن دينهم ومصدر قوتهم، وأصابهم الوهن -حب الدنيا، وكراهية الموت- أو غلبت عليهم العصبيات أو الأهواء، أو الضلالات المختلفة، فتفرقوا شيعًا وأحزابًا، أو غير ذلك من الأسباب، مما أدى إلى أن ينكشفوا أمام عدوهم، وأن يتغلب عليهم، فإن سنن الله لا تحابي مسلمًا ولا غير مسلم، فمن حفظها حفظته، ومن تجاوزها تجاوزته.

 

فماذا يفعل المسلمون حين تجري عليهم الأقدار، وتدور بهم الأيام، فينكسرون ويهزمون أمام أعدائهم؟ أو حين يرون أعداءهم أقوى بكثير منهم، وأنهم لا قبل لهم بهم، ولا طاقة لهم بحربهم؟ هنالك لا مفر من الاعتراف بالواقع، فالمكابرة لا تغير الحقائق، ولا تجعل الضعيف قويًّا، والقوى ضعيفًا. فإذا رأت قيادة المسلمين –بعد التشاور في الأمر، كما هو واجب- أن هناك خطرًا عليهم من استمرار القتال، وجب وقف القتال، سواء طلب العدو إيقافه أم لم يطلبه.

 

* في جهاد الطلب يجب الانسحاب فور خوف الهلاك:

 

 فإن كان الجهاد (جهاد طلب)، أي نحن الذين نغزو العدو ونبدؤه بالقتال، كان علينا أن ننسحب إلى الخلف خطوات، ونعود متحيزين إلى دار الإسلام، وخصوصًا إذا كان العدو أكثر من ضعف جيش المسلمين؛ فالتولي من الزحف –أو الانسحاب من المعركة– مشروع في هذه الحالة، بل قد يكون واجبا، إذا كان هناك خطر على الجيش المسلم إذا استمر في القتال.

 

* في جهاد الدفع والمقاومة تبذل المهج ولكن لا تعرض الجماعة للهلاك:

 

أما إذا كان الجهاد جهاد دفع، أي جهاد مقاومة للعدو الغازي، فهذا جهاد اضطرار، لا جهاد اختيار، هو جهاد مقاومة للوقوف في وجه العدو حتى لا يدخل أرض الإسلام، أو لطرده منها إذا دخل، وفي هذا الجهاد تُبذل المهج والأرواح حفاظًا على الأرض والعرض، ودفاعًا عن الحرمات والمقدسات، ولكن ليس إلى حد تعريض الجماعة كلها للهلاك.

 

فليس من الحكمة ولا الصواب أن ندخل مع العدو معركة فناء وإبادة، إذا كانت القوى غير متكافئة ولا متقاربة. وهذا من واقعية هذه الشريعة التي تتعامل مع الحقائق على الأرض، ولا تحلق في مثاليات ليس تحتها طائل. إنها تعمل أبدًا على جلب المصلحة، وتوقي المفسدة، ولها في ذلك فقه رحب عميق، سميناه (فقه الموازنات).

 

* جواز ابتداء الإمام بطلب الصلح مع العدو:

 

قال الإمام ابن القيم في فقه غزوة الحديبية من الهدي النبوي، حيث ذكر: جواز ابتداء الإمام بطلب صلح العدو إذا رأى مصلحة المسلمين فيه، ولا يتوقف ذلك على أن يكون ابتداء الطلب منهم.

 

هل يجوز دفع مال من المسلمين لعدوهم؟

 

كما يري ابن القيم من فقه هذه الغزوة: مصالحة المشركين ببعض ما فيه ضيم على المسلمين: جائز للمصلحة الراجحة، ودفع ما هو شر منه، ففيه دفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما. انتهي كلام الشيخ.

 

والله تعالى أعلى وأعلم.

الرابط المختصر :