قلبي يتمزق حين وداع طفلي بعد الرؤية!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : الأطفال
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 45
  • رقم الاستشارة : 2960
13/10/2025

انفصلت عن زوجتي منذ عامٍ ونصف، ولدينا طفل عمره الآن ست سنوات. أحرص على رؤيته بانتظام في مواعيد الرؤية المحددة، وأحاول دائمًا أن أجعل الوقت الذي نقضيه معًا مليئًا بالحب واللعب والاهتمام، حتى يشعر بالأمان والراحة.

لكن ما يؤلمني جدًّا أنه في كل مرة تنتهي فيها الرؤية ويحين وقت المغادرة، يبدأ بالبكاء الشديد، ويتشبث بي بقوة، ويرفض أن تقترب أمه منه أو أن أتركه. أحيانًا يصرخ، وأحيانًا ينهار بالبكاء الصامت الذي يمزق قلبي.

أحاول تهدئته بالكلام والاحتضان، وأشرح له أني سأراه قريبًا، لكنه لا يقتنع بسهولة، ويظل متعلِّقًا بي حتى آخر لحظة.

هذا الموقف يتكرر في كل مرة تقريبًا، وأصبحت أعيش توترًا كبيرًا قبل كل لقاء بسبب هذا المشهد المؤلم.

لا أدري إن كان بكاؤه طبيعيًّا نتيجة الفراق، أم أنه يدل على معاناة نفسية أعمق بسبب الانفصال؟ وكيف أساعده على أن يتقبل الأمر ويشعر بالاستقرار العاطفي رغم أننا لا نعيش معًا؟

الإجابة 13/10/2025

عزيزي الأب، ما تشعر به من ألم عند فراق ابنك هو أمر طبيعي للغاية، بل هو دليل على عمق العلاقة الوجدانية بينكما، وعلى أن طفلك يجد فيك مصدر الأمان والحنان والارتباط العاطفي الذي يحتاج إليه في هذه المرحلة العمرية الحساسة.

 

مشاعر الانتماء والثقة

 

فالطفل في عمر الست سنوات يكون في مرحلة ما نسميه في علم النفس التربوي بمرحلة الارتباط الوجداني الآمن (Secure Attachment)، وهي المرحلة التي تتبلور فيها مشاعر الانتماء والثقة في الوالدين كمصدر للأمان النفسي والاجتماعي. وعندما يحدث انفصال بين الأبوين، يختل هذا الإحساس مؤقتًا، فيظهر عند الطفل بصورة بكاءٍ، أو تمسّكٍ، أو رفضٍ للمغادرة، وهي كلها استجابات انفعالية دفاعية (Emotional Defense Responses) هدفها الحفاظ على الشعور بالأمان.

 

بمعنى آخر، بكاء طفلك ليس عنادًا ولا دلالًا، بل هو تعبير صادق عن خوفه من الفقد المتكرر. فهو ما زال صغيرًا لا يفهم حدود الاتفاقات ولا نظام الزيارات، لكنه يشعر بالغياب العاطفي، فيربطه بالخوف من الفقد النهائي.

 

وسائل تربوية فعّالة

 

ما يحتاجه ابنك الآن ليس أن تُقنعه بالكلام فقط، بل أن تُؤمِّن له شعورًا بالاستمرارية. حاول أن توصل له، بطريقةٍ عمليةٍ متكررة، أنك "ستظل موجودًا في حياته"، حتى وإن لم تكن معه جسديًّا كل يوم. ويمكن تحقيق ذلك بعدة وسائل تربوية فعّالة:

 

1- الاتصال المنتظم بين الزيارات:

 

خصص له مكالمة فيديو قصيرة قبل النوم لتسأله عن يومه، وتشجعه، وتطمئنه أنك قريب منه. هذا يعزز لديه مفهوم الثبات العاطفي (Emotional Stability).

 

2- خلق أداءات صغيرة مشتركة:

 

اجعل بينكما عادة صغيرة ثابتة — مثل قراءة دعاء قبل النوم عبر الهاتف، أو رسم بسيط تتشاركان فيه كل مرة — فهذه الأداءات تخلق ذاكرة وجدانية إيجابية.

 

3- التعاون الهادئ مع الأم:

 

حاوِل أن تُبقي علاقتك بالأم في إطارٍ راقٍ ومتوازن، دون خلاف أمام الطفل؛ لأن أي توتر بينكما يُشعل داخله الصراع الداخلي، ويزيد خوفه من فقد أحدكما.

 

4- تهيئته نفسيًّا قبل نهاية الزيارة:

 

قبل المغادرة بربع ساعة، ابدأ في تهدئته تدريجيًّا، وتحدث معه عن اللقاء القادم بطريقة مشوقة: «سنلعب المرة القادمة اللعبة التي تحبها»، فذلك ينقل تفكيره من اللحظة المؤلمة (الوداع) إلى اللحظة المنتظَرة (اللقاء).

 

5- احترام مشاعره دون لوم:

 

لا تقل له «لا تبكِ، أنت ولد قوي»، بل قل له: «أعلم أنك تشتاق إليّ، وأنا أيضًا أشتاق إليك، وسأراك قريبًا إن شاء الله». هذه الجملة تُعلّمه الاعتراف بالمشاعر، وتخفف حدة التوتر لديه.

 

6- إشراك مختص نفسي إن استمر البكاء بشدة مفرطة:

 

إذا لاحظت أن حالته تزداد سوءًا أو تظهر عليه أعراض القلق الدائم أو اضطرابات النوم، فاستعن بأخصائي نفسي للأطفال، لدعمه بجلسات بسيطة تساعده على تنظيم انفعالاته (Emotional Regulation) بطريقة آمنة.

 

وأخيرًا، تذكّر قول النبي ﷺ: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته».. وأنت – رغم ظروف الانفصال – ما زلت راعيًا لطفلك، ومسؤولًا عن أن يشعر بحبك ودفئك واحتوائك، فالعلاقة الأبوية لا تنتهي بالطلاق، بل تبدأ مرحلة جديدة من التربية الواعية.

 

* همسة أخيرة:

 

اعلم يا عزيزي أن المحبة الحقيقية لا تُقاس بالقرب المكاني، بل بالحضور العاطفي الدائم الذي يترك في الطفل أثرًا من الطمأنينة والثقة مدى الحياة.

 

روابط ذات صلة

مصر.. هل هناك علاقة بين التفكك الأسري وقانون الأحوال

الرابط المختصر :