الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : الأطفال
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
56 - رقم الاستشارة : 2925
09/10/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته دكتورة أميمة،
أنا أب لفتاة عمرها عشر سنوات، وهي — والحمد لله — ذكية وطيبة ومؤدبة، لكن عندي قلق كبير بدأ يزيد في الفترة الأخيرة. معظم أولاد إخوتي وأخوات زوجتي صبيان، وحتى صديقات والدتها عندهم أولاد في نفس العمر تقريباً، ولذلك ابنتي لا تجد بنات في عمرها لتلعب معهن، فتضطر أن تلعب مع هؤلاء الصبيان في التجمعات العائلية أو الزيارات.
في البداية لم أكن أرى في الأمر مشكلة، لكن مع مرور الوقت بدأت أشعر بعدم الارتياح، خصوصاً أنها كبرت وأصبحت على أعتاب مرحلة البلوغ، وأحياناً ألاحظ أنها تخجل أو تتصرف بشكل مختلف عن السابق أثناء اللعب معهم. بدأتُ أتساءل: هل من الصحيح أن أسمح لها بالاختلاط واللعب معهم كالسابق؟ أم يجب أن أبدأ في وضع حدود معينة دون أن أؤذي مشاعرها أو أشعرها بالذنب؟
أنا محتار فعلاً كيف أتعامل، ولا أريد أن أُشعرها بأنني أشكّ في نيتها أو أخوّفها من الناس، لكن في الوقت نفسه أشعر أن من واجبي أن أحميها وأعلّمها ما يناسب سنّها الآن.
كيف أتعامل معها أنا وأمها؟ وهل نمنعها من اللعب معهم تماماً أم نضبط المواقف فقط؟
أرجو توجيهكم بحكمة، فأنا فعلاً مرتبك وأخشى أن أتصرف بشكل خاطئ يؤثر على نفسيتها أو علاقتها بأسرتنا.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أهلاً بك أيها الأب الكريم، وأُحيّي فيك غيرتك الجميلة ووعيك التربوي العالي، فمجرد شعورك بالمسؤولية وحرصك على تربية ابنتك وفق ضوابط الأخلاق والدين.
اسمح لي أن أوضح لك الصورة من منظورٍ نفسي وتربوي وأسري متكامل:
الهوية الجندرية
أولاً: من الجانب النفسي والتربوي:
في هذه المرحلة العمرية (من 9 إلى 11 سنة تقريبًا) تدخل الفتاة فيما يُعرف بمرحلة ما قبل المراهقة (Pre-adolescence)، وهي فترة انتقالية تتغير فيها الهوية الجندرية (Gender Identity)، وتبدأ الطفلة في إدراك اختلافها عن الذكور في التفكير والسلوك والمشاعر.
لذلك من الطبيعي أن تبدأ في التحوّل التدريجي (Gradual Shift) في اهتماماتها وطريقتها في اللعب والتفاعل، لكن استمرار الاختلاط المكثف بالأولاد قد يُحدث نوعًا من تشوش الهوية (Role Confusion) أو الارتباك الاجتماعي (Social Confusion)، خصوصًا إذا لم تُوجَّه بهدوء نحو نماذج أنثوية قريبة منها.
ومن المهم ألا تُمنع فجأة؛ لأن المنع المفاجئ يُحدث ما يُسمّى بالمقاومة السلوكية (Behavioral Resistance)، أي أنها قد تتمسك أكثر بما نمنعها عنه، ليس رغبة في الخطأ بل دفاعًا عن استقلالها.
التدرج في منع الاختلاط
ثانيًا: من الجانب الأسري والعاطفي:
دور الأب في هذه المرحلة بالغ الحساسية، إذ يُعتبر رمزًا للأمان العاطفي؛ لذلك يجب أن تحافظ على قربك منها دون توتر أو توبيخ.
احرص على أن تكون علاقتك الوجدانية بها قوية، تحدث معها بلطف وامنحها الثقة لتشاركك أفكارها.
أما الأم، فعليها أن تكون قدوتها في الأنوثة المتزنة، فتُعرّفها تدريجيًّا بخصوصية جسدها، وبحدود التعامل مع الجنس الآخر بأسلوب طبيعي لا تخويفي ولا محرج.
يمكن أن تبدآ معًا — أنت ووالدتها — بتقليل الاختلاط دون منعه، بمعنى أن تقتصر اللقاءات على فترات قصيرة أو ألعاب جماعية في وجود الكبار، مع توجيهها للانضمام إلى أنشطة أو نوادٍ فيها فتيات من عمرها، حتى تُشبَع حاجتها الاجتماعية بطريقة آمنة وصحية.
وتذكر أخي الفاضل أن ديننا الحنيف وضع ميزانًا دقيقًا بين الفطرة والضبط، إذ يقول الله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾، وهذا التوجيه ليس لمنع التواصل الإنساني، بل لضبطه بحياءٍ ووعيٍ واتزان. فالحياء ليس ضعفًا، بل هو قيمة تربوية سامية، تحفظ كرامة الفتاة ونقاء فطرتها.
التوصيات العملية
وأخيرًا: إليكم هذه التوصيات العملية:
1- حدّدوا قواعد بسيطة وواضحة للعب والزيارات، بحيث تكون تحت إشراف الكبار.
2- شجعوها على بناء صداقات مع بنات قريباتها أو جاراتها أو في الأنشطة التربوية أو في النادي.
3- استخدموا أسلوب الحوار لا التوجيه المباشر فقط.
4- املأوا وقتها بما ينمّي شخصيتها: القراءة، الرسم، الرياضة، والأنشطة الاجتماعية الهادفة.
5- والأهم: أشعروها دائمًا أنكم تثقون بها، وأن الحماية ليست شكًّا بل حبًّا وخوفًا عليها.
* همسة أخيرة:
رفقكم في التوجيه هو الذي سيُثمر في قلبها الضبط الذاتي (Self-Regulation)، فينشأ عندها الحياء عن قناعة لا عن خوف، والالتزام عن وعي لا عن إجبار.
وفقك الله، وجعل ابنتك قرة عينٍ لك ولأمها، ونسأل الله أن ينبتها نباتًا حسنًا، ويجعلها من الصالحات الحافظات لعفّتهن وحيائهن.
روابط ذات صلة: